حرب عبثية في السودان

كتب محمد خليفة في صحيفة الخليج.
لا يمكن وصف الحرب الجارية في السودان اليوم سوى أنها حرب عبثية، ليس لها من هدف سوى المناكفة بين الحكومة السودانية وقوات الدعم السريع، فكلاهما كان طرفاً في الحكم بالدولة السودانية، لكن تغيرت المصالح بين الطرفين، فأدى ذلك إلى نشوب هذا الصراع المرير المستمر منذ عامين، والذي تسبب في وقوع السودان في كارثة حقيقية لم يسبق لها مثيل في تاريخه.
لقد تم تدمير هذا البلد العربي العزيز، وتهجير الملايين من أبنائه، وتحويل من بقي منهم إلى أسرى الجوع والقتل والتشريد، وباتوا في أمسّ الحاجة إلى المساعدات الدولية، بينما بلادهم تفيض ذهباً سواء بخيراتها الطبيعية أم بثرواتها الباطنية، والخوف أن يتم تقسيم السودان إلى دولتين، على غرار التقسيم الأول الذي نجم عنه دولة جنوب السودان، والتي كانت جزءاً لا يتجزأ من التراب السوداني الواحد. اقتطع منه ستمئة ألف كيلو متر مربع من جنوبه، وتشكيل دولة إفريقية غير عربية فيه. كما نجا السودان من محاولة أخرى سابقة لاستقلال إقليم دارفور، وكأن قدر السودان سعيُ الشركاء لتمزيق أرضه، وتفتيت شعبه.
وقد دعت دولة الإمارات العربية المتحدة طرفي الصراع في السودان، بشكل مستمر، إلى تحكيم العقل، ونبذ العنف، والعودة إلى السلام من أجل بناء دولة جديدة مستقرة، وأكد صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، في اتصال أجراه مع الفريق عبد الفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة السوداني، في يوليو(تموز) الماضي «حرص دولة الإمارات على دعم جميع الحلول والمبادرات الرامية إلى وقف التصعيد، وإنهاء الأزمة في السودان الشقيق، بما يسهم في تعزيز استقراره وأمنه، ويحقق تطلعات شعبه إلى التنمية والرخاء»، وشدد سموه على «ضرورة تغليب صوت الحكمة والحوار السلمي، وإعلاء مصالح السودان العليا والحفاظ على أمنه واستقراره».
وعقدت دولة الإمارات العربية المتحدة مع جمهورية إثيوبيا، والاتحاد الإفريقي، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية «إيغاد» «المؤتمر الإنساني رفيع المستوى من أجل شعب السودان» في 14 فبراير(شباط) الماضي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. وذلك بهدف حشد الجهود الإقليمية والدولية لمواجهة الأزمة الكارثية في السودان، وتجديد الالتزامات في إطار الجهود المشتركة، للحد من معاناة الشعب السوداني الشقيق. ودعت دولة الإمارات، أملاً في حقن الدماء، إلى هدنة إنسانية خلال شهر رمضان، وقد عبرت العديد من الدول العربية والإفريقية عن دعمها لهذه الدعوة الإماراتية. وقال الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان الذي مثّل دولة الإمارات في المؤتمر:«إن هذا المؤتمر المهم سيعمل على تحديد المسار للمؤتمرات المستقبلية المقررة لمساعدة الشعب السوداني».
وتواصل دولة الإمارات تعاونها مع الشركاء الإقليميين والدوليين، وخاصة مع شركائها في إفريقيا، لتقديم المساعدات بكل الوسائل المتاحة. ولا تتوقف جهود دولة الإمارات في السعي لإيجاد حل يُرضي الطرفين المتصارعين، ويؤدي إلى إنهاء تلك الحرب المؤلمة في السودان. وقالت الأمم المتحدة، في تقرير نشرته، مؤخراً:«إن السودان يشهد حالياً أسوأ أزمة إنسانية في العالم، وأعلنت رصد مئة وعشرة ملايين دولار من صندوق الطوارئ الخاص بها لتعويض«الاقتطاع المتسرع» من المبالغ المخصصة للمساعدات الإنسانية في كل أنحاء العالم، مشيرة إلى أن ثلث الأموال المرصودة يذهب إلى السودان».
وكانت دولة الإمارات قد قدمت، مئتي مليون دولار إضافية من المساعدات الإنسانية، ليصل إجمالي المساعدات المقدمة من قبلها، إلى ستمئة مليون ونصف المليون دولار منذ اندلاع الصراع، وأرسلت أيضاً مئة وتسعاً وخمسين طائرة إغاثة، حيث سلَّمت أكثر من عشرة آلاف طن من المواد الغذائية والطبية وإمدادات الإغاثة، بالإضافة إلى ذلك، قامت دولة الإمارات ببناء مستشفيين ميدانيين في تشاد قدّما العلاج الطبي لأكثر من خمسة وأربعين ألف شخص. كما قدمت دولة الإمارات العربية المتحدة ثلاثة مليارات ونصف مليار دولار، من المساعدات للشعب السوداني، على مدى العقد الماضي، وفي شهر أغسطس (آب) الماضي، وقّعت دولة الإمارات العربية المتحدة اتفاقية مع منظمة الأمم المتحدة للطفولة «اليونيسف» لتقديم سبعة ملايين دولار أمريكي، لدعم الجهود الإنسانية في السودان وجنوب السودان. وتخصص الاتفاقية ستة ملايين دولار أمريكي لعمليات «اليونيسف» في السودان، ومليون دولار أمريكي لأنشطتها في جنوب السودان.
وتقدّر «اليونيسف» عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى المساعدة بشكل عاجل بنحو ثلاثة عشر مليوناً وخمسمئة ألف طفل، وتدعم هذه المساهمة المقدمة من دولة الإمارات بشكل مباشر جهود اليونيسف، لضمان حصول الأطفال والنساء في السودان، وجنوب السودان على الرعاية الصحية المطلوبة. وستواصل دولة الإمارات العربية المتحدة الوقوف إلى جانب الشعب السوداني الشقيق في كل الأوقات، وهي لن تدخر جهداً في سبيل إعادة الاستقرار إلى ربوعه، فالسودان في وجدان الشعب الإماراتي، وهو يمثل العمق العربي في قلب إفريقيا، وبقاؤه دولة كبيرة ومستقرة سيكون سنداً لأشقائه كما كان عليه الحال في الماضي قبل اندلاع تلك الحرب المدمرة.