حرب عبثية بامتياز
كتب يونس السيد, في “الخليج” :
من بديهيات العلوم العسكرية أن الحروب غالباً ما تخاض لتحقيق أهداف سياسية، إلا أن الحرب الإسرائيلية على غزة تبدو مختلفة عن كل الحروب التي شهدها العالم من حيث كونها تخاض من دون أي هدف سياسي، أو ما يطلقون عليه «اليوم التالي» للحرب، ما يجعل منها حرباً بلا فائدة، وفق جنرالات إسرائيليين سابقين.
ربما تكون قضية «اليوم التالي»، أو تحديد الهدف السياسي لما بعد الحرب، واحدة من القضايا الخلافية التي نشأت مبكراً بين حكومة نتنياهو والإدارة الأمريكية قبل أن تتحول إلى معركة داخلية إسرائيلية. ومع ذلك فقد منحت واشنطن إسرائيل المهلة تلو الأخرى على أمل أن تتحقق بعض الأهداف، وإقناع تل أبيب بوضع خطة سياسية لما بعد الحرب، لكن هذا الأمل تبدد في ظل حكومة اليمين المتطرف، التي لا تزال تراهن على حكم غزة وعودة الإستيطان والتهجير. وبالتالي فقد انتقلت خطط الحرب من «الهدف الاستراتيجي» إلى ما يسمى «العمى الاستراتيجي»، وتحولت بعد أكثر من سبعة أشهر إلى حرب عبثية، وصلت إلى طريق مسدود، وفق الجنرالات الإسرائيليين أنفسهم.
بهذا المعنى، فإن الحرب الإسرائيلية على غزة منيت بالفشل، وباتت عودة الجيش الإسرائيلي إلى المناطق التي انسحب منها قبل أشهر، للقتال من جديد، دليلاً واضحاً على إخفاقاته المتكررة، رغم الرواية المضللة التي قدمها عن قضائه على المقاتلين الفلسطينيين وتفكيك الفصائل المسلحة. ما يقوله الجيش الإسرائيلي اليوم بوضوح بأن «هذه الحرب عبثية ولا توجد حلول سحرية لها»، يتقاطع بشكل أو آخر مع ما خلصت إليه الإدارة الأمريكية بأن إسرائيل لن تستطيع تحقيق «انتصار» أو هزيمة الفصائل الفلسطينية في غزة.
وبالتالي فإن «الإنجازات التكتيكية» التي يدّعي الجيش الإسرائيلي أنه حققها سوف تتبدد إذا لم توضع أهداف سياسية لهذه الحرب، بعد أن وجد نفسه يدور في حلقة مفرغة. ولكن بغض النظر عن «حقيقة الإنجازات» التي يدّعيها الجيش باستثناء المجازر الجماعية بحق المدنيين وتدمير المدارس والمستشفيات والبنى التحتية وتشديد الحصار وسياسة التجويع، فإن قوة هذا الجيش تتآكل وتتراجع صورته الإقليمية والدولية. هذا على الأقل ما خلص إليه جنرالات إسرائيليون كبار، وما تتحدث عنه التقارير الإسرائيلية ومفادها أن الجيش عجز عن تحقيق الأهداف العسكرية المعلنة وليس لديه أهداف سياسية محددة، وبالتالي فشل في حسم الحرب.
هذا الفشل هو الأخطر بالنسبة للإسرائيليين، ليس فقط لكونه أدى إلى تعميق الانقسام الداخلي حول أولوية أهداف الحرب، وإنما لأنه فجر خلافاً حاداً بين القيادتين العسكرية والسياسية، حول آفاق هذه الحرب والمدى الذي يمكن أن تذهب إليه في غياب الأهداف السياسية، عدا عن الأكلاف الباهظة التي تتكبدها إسرائيل على كل المستويات.
وبالمحصلة بات القادة الإسرائيليون يتقاتلون حول «جلد الدب قبل اصطياده»، من دون أن يأخذوا في الاعتبار أن الفصائل الفلسطينية لم تقل كلمتها النهائية بعد.