«حرب المخدرات» تتطلب تكشيراً عن أنياب الدبلوماسية الأردنية

كتب عمر عليمات في صحيفة الدستور:
بعد مرور أكثر من تسعة أشهر على تطبيع العلاقات العربية مع سوريا، بمبادرة أردنية أولاً وعربية ثانياً، نستطيع القول بكل وضوح أن دمشق تمسكت حتى الآن بمبدأ «الشيك على بياض» ولم تلتزم نهائياً بسياسة «الخطوة مقابل خطوة «التي كانت جوهر محادثات عودتها للجامعة العربية.
في اجتماع عمان التشاوري الذي عقد قبيل إعلان عودة سوريا للجامعة خرج الاجتماع ببيان يحدد المطلوب من دمشق، وما يهمنا الآن النقاط المرتبطة بتحديد مصادر انتاج المخدرات وتهريبها والجهات التي تدير وتنظم هذه العملية واتخاذ الخطوات المناسبة لإنهائها إضافة إلى إنهاء تواجد المنظمات الإرهابية في الأراضي السورية ومنع تهديدها للأمن الإقليمي.
يستطيع أي متابع لما يجري على الحدود السورية الجنوبية أن يلاحظ بكل وضوح أن الأمور تعقدت بشكل أكبر مما كانت عليه قبل الاتفاق، إذ تطورت الأمور إلى محاولات عديدة لتهريب أسلحة نوعية وصاروخية عبر الحدود الأردنية، إلى جانب تزايد وتيرة تهريب المخدرات بكميات تكفي لإغراق جميع الدول العربية، الأمر الذي شكل نوعاً من الضغط اليومي على قوات حرس الحدود الأردنية، ناهيك عن الاستنزاف المادي، فالعمليات العسكرية والاشتباكات المسلحة المتكررة لها تكلفة مادية باهظة، فالجيش يحارب بأسلحة وذخائر لها أثمان.
يخوض الأردن اليوم حرباً مفتوحة على حدودنا الشمالية ضد عصابات تهريب المخدرات والأسلحة، ورغم القناعة التامة بكفاءة وقدرة قواتنا المسلحة على ضمان أمن الحدود ومنع أي مساس بالأمن الوطني، إلا أن ذلك بالضرورة يشكل ضغطاً كبيراً على الأردن ويفرض علينا المزيد من التحديات، وما يترتب على ذلك من أمور تتعلق بأزماتنا ومشاكلنا الداخلية، خاصة وأن زعزعة الجبهة الأردنية في ظل ما يجري في الإقليم أصبحت ضمن أجندة بعض الجهات وهذا ما لا يخفى على أي متابع.
اجتماع جدة وبعده اجتماع عمان التشاوري ضما الدول العربية المعنية بالملف السوري، وخاصة الدول المهتمة بعودة سوريا إلى محيطها العربي، من مبدأ أن العمل مع النظام السوري من الداخل أكثر فعالية لتعديل سياسته، وإدماجه في منظومة الأمن القومي العربي، وهي الدول التي كانت نواة رئيسية لإقناع باقي أعضاء الجامعة العربية للتصويت مع قرار العودة، وهذا ما يقودنا إلى أن المرحلة الحالية تتطلب عودة إلى هذه الدول لمناقشة مخرجات اجتماع عمان التشاوري وعدم قيام الجانب السوري بالتزاماته وتعهداته وخاصة المرتبطة بأمن دول الجوار فيما يتعلق بالمخدرات والأسلحة والمنظمات الإرهابية.
الدول التي أعادت سوريا إلى الجامعة العربية لا بُد لها أن تكون أداة ضغط عليها، واستخدام كل أدواتها لوقف التعنت السوري وتشبثه بمبدأ «الشيك على بياض»، ففي الوقت الذي ربح فيه النظام السوري إعادة تأهيله وشرعنة وجوده يبدو أن الدول العربية لم تربح شيئاً سواء على صعيد حل الأزمة السورية ومشكلة اللاجئين أو على صعيد تأمين الحدود وأنهاء وجود عصابات المخدرات والأسلحة.
ما يجري على حدودنا الشمالية من حرب مفتوحة ضد تهريب المخدرات والأسلحة يعني الاستمرار بحرب الاستنزاف للموارد، والضغط على وتر الأمن الوطني، الأمر الذي يتطلب الذهاب بعيداً والتكشير عن أنياب الدبلوماسية الأردنية، والدعوة لعقد اجتماع عربي يضم الدول التي شاركت في اجتماعي جدة وعمان لوضع النظام السوري أمام التزاماته وشروط عودته للجامعة العربية، فكما كانت مبادرة العودة أردنية لماذا لا تكون مبادرة تجميد العضوية مرة أخرى أردنية؟، فعندما يتعلق الأمر بالأمن الوطني تكون كل الخيارات مطروحة.
باختصار ووضوح، دمشق الرسمية تعتقد بأن عودتها للعالم العربي كانت مطلباً عربياً وانتصاراً لها ولسرديتها المرتبطة بالحرب، وتصر على العودة ضمن مبدأ «شيك على بياض» بل تمادت أكثر من السابق وتوسع الأمر من المخدرات ليصل إلى الأسلحة النوعية والصاروخية، وهنا علينا أن نكون أكثر وضوحاً مع الدول العربية، فمن أعاد النظام السوري إلى الجامعة يستطيع أن يشكل عليه ضغطاً للتخلي على منهجه العدواني تجاه الأمن الوطني الأردني، وإلا فأن العودة لما قبل مايو 2022 يبقى خياراً مفتوحاً.