رأي

حرب أوكرانيا في ظل إدارة ديمقراطية جديدة

كتب صلاح الغول, في “الخليج” :

ماذا سيحدث في حرب أوكرانيا، لو فازت كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل؟ قبل الإجابة عن هذا السؤال لا بد من تشخيص الوضع الراهن للحرب الروسية-الأوكرانية.

  • أولاً: شهدت الحرب عدة تطورات سوف يكون لها تأثيرٌ في مسار الحرب وآفاقها، حيث شنت القوات الروسية هجوماً مضاداً في مقاطعة كورسك ضد القوات الأوكرانية، التي خسرت أكبر مساحة من مواقعها في المقاطعة الروسية منذ 14 سبتمبر/أيلول المنصرم. ويبدو أنّ ثمة صعوبة في استمرار احتفاظ أوكرانيا بالأراضي التي سيطرت عليها هناك.
    *ثانياً: ومن ناحيةٍ أخرى، يستمر تقدم القوات الروسية، التي تفوق نظيراتها الأوكرانية عدداً وعدةً، في الجبهة الشرقية الرئيسية، وفي مقاطعة دونيتسك بخاصة، وتُهاجم المواقع الأوكرانية كافةً بلا هوادة، وتواصل تأمين مكاسب «يومية» ثابتة ومتزايدة. وقد أقرت وزارة الدفاع الأوكرانية بصعوبة الوضع على الجبهة الشرقية.
    وتتقدم القوات الروسية حالياً نحو مدينة بوكروفسك، وهي مركز لوجستي رئيسي، وتوريستيك، وهي مدينة ذات أهمية استراتيجية، وقريبة من مدينة كوبيانسك ذات الأهمية اللوجستية في مقاطعة خاركيف.
    *ثالثاً، من التطورات المهمة أيضاً إعلان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، 16 أكتوبر/تشرين الأول، عن «خطة النصر» لوضع حد للحرب (لمصلحة أوكرانيا) بحلول العام المقبل.
    وتتكون الخطة من 5 نقاط، وهي: دعوة غير مشروطة لانضمام أوكرانيا لحلف الناتو، تعزيز القدرات الدفاعية لأوكرانيا، بما في ذلك تعزيز قدرات الدفاع الجوي، ورفع القيود على استخدام أوكرانيا للأسلحة بعيدة المدى، ليكون بإمكان كييف استهداف المواقع العسكرية الروسية في عمق روسيا وداخل الأراضي الأوكرانية، وتطوير استراتيجية ردع شاملة غير نووية في مواجهة روسيا، وتأسيس شراكة مع الغرب في استثمار موارد أوكرانيا ذات القيمة الاستراتيجية مثل اليورانيوم والتيتانيوم والليثيوم…إلخ. وفيما عدا ذلك، يستمر القتال الموضعي في الخطوط الأمامية بأكملها، ويتبادل الطرفان الضربات الجوية والصاروخية، ضد مرافق البنية التحتية والأهداف العسكرية واللوجستية، وتتصاعد، بصفةٍ خاصة، حرب المسيّرات بينهما.
    ومع ردود الفعل الروسية الرافضة ل «خطة النصر»، والاستجابات الغربية الفاترة، وتعطل الوساطات الدولية، بما في ذلك الصينية والهندية، لوقف الحرب، وتحوُّل الاهتمام العالمي نحو الشرق الأوسط، فإنّ آفاق التسوية السياسية للحرب تبدو قاتمة، على الأقل في المدى القريب.
    وكما هي الحال منذ بدء الحرب، تواصَل الدعم العسكري والسياسي الغربي، ولاسيما الأمريكي، لأوكرانيا. كما يبدو أن هناك اصطفافاً من جانب الصين وإيران وكوريا الشمالية إلى جانب روسيا.
    تتصوّر كامالا هاريس، متأثرة بتصور الرئيس جو بايدن، بأن الحرب معركة حاسمة في الصراع العالمي بين الديمقراطية والسلطوية.
    ولذلك، دعمت هاريس الجانب الأوكراني بصورةٍ كاملة منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، واتهمت موسكو بالعدوان وارتكاب «جرائم ضد الإنسانية» و«أعمالٍ بربرية» في حربها على أوكرانيا، ودعت إلى محاسبتها. بل إنّها حذرت الصين وإيران من تقديم الدعم لروسيا.
    وفي حال فوزها بالانتخابات الرئاسية الأمريكية (الشهر المقبل)، سوف تواصل هاريس تقديم الدعم السياسي والعسكري لأوكرانيا.
    ويتمثل الدعم السياسي المتوقع من إدارة هاريس، تشجيع إطلاق مفاوضات تسوية سلمية للحرب مع دعم المطالب الأوكرانية في المفاوضات، بما في ذلك استعادة أراضيها المحتلة في الدونباس والجنوب والشمال، غير أنّ هذا الدعم لن يرقى إلى تأييد كل النقاط الخمس المتضمنة في «خطة النصر» الأوكرانية، وبصفةٍ خاصة الانضمام للناتو، أو استعادة شبه جزيرة القرم.
    وبالنسبة للدعم العسكري، فسوف تواصل إدارة هاريس دعمها للمجهود الحربي الأوكراني، كما فعل سلفها الرئيس بايدن، الذي أمد أوكرانيا منذ بداية ولايته بأكثر من 66 حزمة مساعدات، بلغت قيمتها أكثر من 59.3 مليار دولار.
    غير أنّ الدعم العسكري الذي سوف توفره هاريس لأوكرانيا لن يتضمن السماح لأوكرانيا باستخدام الأسلحة الأمريكية لمهاجمة أهداف بعيدة المدى في العمق الروسي، لما قد يجلبه ذلك من تداعياتٍ وخيمة، لاسيما بعد تحذير الرئيس بوتين باستخدام الأسلحة النووية ضد هجوم باليستي على الأراضي الروسية من دولةٍ غير نووية (أوكرانيا) تدعمها دولٌ نووية (الولايات المتحدة).
    وسوف تواصل هاريس الحفاظ على التماسك السياسي الغربي (أوروبا والناتو) خلف أوكرانيا، وتشجيع الحلفاء على مواصلة دعمهم للأخيرة، في الوقت الذي تواجه فيه كييف شتاءً بارداً.
    ويتصل بذلك أنّ إدارة هاريس سوف تُصدر، منفردة وبالتعاون مع مجموعة الدول السبع الكبرى، مزيداً من العقوبات الاقتصادية على روسيا وحلفائها وشركائها، للتأثير في المجهود الحربي الروسي من جهة، وربما حملها على البدء بمفاوضات للتسوية السلمية للحرب في أوكرانيا، والتي لا يتوقع حصولها قريباً، كما تقدم.
    ومن المرجح أن يهيمن التصعيد العسكري على مسار الحرب حتى نهاية العام الأول لإدارة هاريس، خصوصاً على جبهتي الدونباس وكورسك. وسوف يستمر القتال الموضعي، ويتواصل الاستنزاف المتبادل على طول خطوط القتال، التي تمتلك فيها روسيا موارد تفوق الجانب الأوكراني. وقد تظل روسيا وأوكرانيا منخرطتين لسنوات في حرب موضعية منخفضة المستوى.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى