حربُ الكبار على الصغار
كتب الوزير السابق جحوزيف الهاشم في “الجمهورية”:
نعم… وأرجو ألاَّ تُدْهشَكُم الكلمة، أنا أدعو إلى الحـرب… ولكن حـرب الكبار على الكبار.
العالم البشري يشهد انقلاباً تاريخياً وإنسانياً مفجعاً.
والشرعية الدولية، القانون الدولي، الشرائع الروحية، الديمقراطية، حقوق الإنسان، هذه العناوين البرّاقة أصبحت أسطورةً خُرافية كُتبتْ بماء البحر المالح، والسمك الكبير فيه يأكل السمك الصغير.
الأمـم المتحدة التي وصَفَها «هنري دودج» عضو مجلس الشيوخ الأميركي: «بأنّها تمنعك من الذهاب إلى جهنّم ولا تأخذك إلى الجنّـة»، أصبحت هي شريكاً في الطريق إلى جهنّـم، فيما تأسّست بعد الحرب العالمية الثانية بهدف حماية الدول الصغرى والحفاظ على السلام العالمي، وكان لبنان أحد أعضائها المؤسِّسين.
وشرعةُ حقوق الإنسان التي ساهم في وضعها لبنان، أصبحت هي أيضاً سلعةً سياسية بيـدِ الإنسان المتوحّش الذي وصَفـهُ «روسو» بالحيوان السياسي، فإذا «السياسة أخطر من الحرب كما يقول «تشرشل» لأنك في الحرب تُقْتَـلُ مـرةً واحدة».
أنا أدعو إلى حـرب الكبار على الكبار حرصاً على الإنسانية المعذّبة، لا مِـنْ أجل إبادتها، حرب الكبار تبدأ وتنتهي إمّـا بالإنتصار وإمّـا بالإنكسار، والحروب الباردة والساخنة التي تتقاتل بها الدول الكبرى بواسطة الـدول الصغرى تبدأ ولا تنتهي، تفرِّغُ الدول الصغرى من شعوبها، والشعوب تدفع الثمـن بالنزوح والـدم.
مِـنْ قبلُ، كان تأزُّم المصالح الدولية يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين الأقطاب الدوليّيـن.
هكذا كانت الحرب العالمية الأولى نتيجة تصاعد أزمـة مراكش بين فرنسا وإلمانيا، وأزمـة البلقان بين إلمانيا وروسيا، وأزمـة طرابلس الغرب بين إلمانيا وإيطاليا، وأزمـة حـرب البلقان بين تركيا والعرَب.
والحرب العالمية الثانية كان سببها الإقتصادي مرتبطاً بما سُمّيَ «المـدى الحيوي» ورغبة الدول العظمى في التوسع واقتناص مناطق النفوذ.
مثلما كانت حـرب الممرَّات الدولية، بين إلمانيا وبولونيا حـول مـمّر البلطيق، وحـرب مضيق هرمـز بين العراق وإيـران، وحـرب الممرات الثالثة التي شنَّـتها إنكلترا وفرنسا وإسرائيل سنة 1956 على دولة مصـر نتيجة إغلاق قنـاة السويس، والممرَّات شريان حيـوي للإقتصاد العالمي، بدونها يصبح النفط والغـاز مـادة محترقة في أرضها.
إنّها الأسباب نفسُها والأزمات نفسها والمصالح الدولية نفسُها، تـتنافر اليوم بين روسيا والدول الكبرى، وبـدَل أن تكون المواجهة بين روسيا وأميركا، وروسيا وأوروبا، كانت زحفاً روسياً على أوكرانيا.
هذه الحروب الباردة والساخنة التي تتقاتل بها الدول الكبرى بواسطة الدول الصغرى ولا سيما في العالم العربي والعالم الثالث، هي أشـدّ فتْكـاً من الحروب الكلاسيكية وأخطارها.
في سوريا والعراق واليمن وأفغانستان وليبيا والسوادان: ملايين من القتلى والجرحى والأسرى والمعوَّقين والنازحين… وضحايا السلْم القاتل في لبنان أعظم من قتلى الحرب… وفي سائر الدول العربية صراعات واهتزازات، ونـارٌ ورمادٌ، ونـارٌ تحت الرماد.
البابا فرنسيس: علّـق على الغـزو الروسي لأوكرانيا: «بأنَّ كـلّ حـربٍ تترك العالم أسوأ ممـا كان عليه من قبل..»
بالإذن من قداسة البابا، إلاّ هذه الحـرب التي نعانيها اليوم، والتي يقول فيها القديس «أوغسطينوس»: «لا نصنع السلام لنصل إلى الحرب بـل نصنع الحـرب لنصل إلى السلام…؟
والحـرب على ما يقول «هيغل»: «هي تجربـةٌ عظيمة لحياة الشعوب، لأنـّه بالحرب إمَّـا أنْ تـؤكّد الشعوب حريتها وإمَّـا أن تسقط في العبودية».
ولأنَّـنا نحن سقطنا في العبودية، فلـمْ يبـقَ أمامنا إلاّ الحـرب لنؤكِّـد حريتنا.