رأي

حدود الرد الأمريكي على هجمات الأردن

كتبت د. نورة المجيم في صحيفة القبس:

شكل الهجوم الذي تعرضت له قاعدة البرج الأمريكية في الأردن، والذي نفذ عبر طائرة من دون طيران، وأدى إلى مقتل ثلاثة جنود أمريكيين، وما يقرب من إصابة 30 آخرين، تطوراً خطيراً في سياق التطورات الخطيرة التي تشهدها المنطقة منذ طوفان الأقصى. إذ للمرة الأولى منذ السابع من أكتوبر يتم استهداف الولايات المتحدة بشكل مباشر وعلى أرض الأردن المستقر غير المتورط في أي صراع داخلي أو إقليمي.

وبحسب التصريحات الرسمية الأمريكية، أن منفذ الهجوم هو «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني، والمتواجد بقواعده في سوريا والعراق. وبالتالي، فأهدافه لا تنفصل عن أهداف ومخططات إيران، والتي تباينت الآراء بشدة فيها.

لكن أغلب الظن أن إيران تريد أن ترسل لواشنطن ثلاث رسائل، أولاها، الكف عن دعم إسرائيل في حربها المستعرة في غزة، وبالتالي الضغط عليها لقبول صفقة تبادل الأسرى ووقف الحرب والتخلي عن هدف القضاء على حماس. والثانية، الضغط على واشنطن لثنيها عن خطط عودة التركيز في المنطقة والتي تشكل لإيران حجر عثرة هائلا أمام مشروع هيمنتها في الخليج. والثالثة، ضرورة إدراج ملف تسوية البرنامج النووي كأولوية لواشنطن بعد انتهاء الحرب في غزة.

رد الفعل الأمريكي أو الانتقام على هجوم الأردن كان متوقعا بالقطع، لكن حدود ومآلات هذا الرد هو ما يجب التوقف عنده بموضوعية في ضوء ظروف ومعطيات كثيرة. اتسم رد فعل إدارة بايدن الأولي بعد وقوع الهجوم مباشرة، بقدر كبير من الهدوء والحذر. فبحسب ما جاء على لسان بايدن سنحاسب من قام بهذا العمل الإرهابي لكن في الوقت والطريقة المناسبة. والأهم من ذلك، هو تصريحات المسؤولين الأمريكيين المتعاقبة حتى بايدن، والتي دارت فحواها حول نية عدم توسيع الرد الانتقامي إلى حرب إقليمية شاملة، وعدم استهداف قوة معينة والمقصود إيران. وهو ما يشي عن عزم واشنطن منذ وقوع الهجوم على اتباع رد محدود أو غير تصعيدي بالمرة.

وبعد تأخر الرد لمدة أسبوع، نفذت الولايات المتحدة عمليات استهدفت ما يقرب من 80 موقعا لفيلق القدس في سوريا والعراق. وفور تنفيذ الرد، خرج بايدن بتصريحات تفيد أن هذا الرد سيستمر في الأوقات والمكان اللذين سنختارهما، والولايات المتحدة ترد فقط على هجوم الأردن ولا تسعى للصراع في المنطقة أو خارجها. كما خرج البنتاغون بتصريحات مباشرة تقول ان هذا الرد لا يستهدف توسيع المواجهة مع إيران.

وبالتالي، قد أكدت واشنطن على سياسة أو نهج الرد المحدود التي عزمت فيه منذ البداية. ويعزو ذلك لعدة أسباب، لعل أهمها على الإطلاق، كبح واشنطن لأية معطيات أو أسباب دافعة لتوريطها عسكرياً في المنطقة، ليس فقط على صعيد المواجهة المباشرة مع إيران، بل أيضا على صعيد تكثيف تركيزها العسكري في المنطقة والذي سيتسبب في أضرار بالغة في استراتيجية واشنطن في آسيا لمواجهة التهديد الصيني.

ومن ضمن الأسباب أيضا هو تأثير اتباع نهج تصعيدي على فرص بايدن الانتخابية في 2024، لأنها ستكون بمنزلة مغامرة غير محسوبة العواقب. فضلا عن ذلك، فتح جبهة صراع واسعة مع إيران في هذا الوقت تحديدا سيكون شديد الوطأة على إسرائيل، حيث من المؤكد أن تفعل إيران سياسة توحيد الساحات ضد إسرائيل ومصالح واشنطن في المنطقة.

خلاصة القول، ان الرد الانتقامي لواشنطن لا يبشر بتوسع شامل أو حرب مفتوحة مع إيران. بل سيتبلور في الأيام القادمة إلى رد نوعى أو انتقائي محدود ضد جميع ميليشيات إيران في المنطقة لا سيما استهداف الرموز والقادة الرئيسيين.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى