حتى في عصر الذكاء الاصطناعي.. 5 أسباب تحتم تعليم طفلك الكتابة اليدوية.
خلال ألف عام كانت الكتابة اليدوية هي النمط السائد، حتى ظهرت الطابعة اليدوية (الآلة الكاتبة) وبعدها الطابعات الآلية، ثم عصر الكمبيوتر والكتابة على لوحة المفاتيح، وصولا إلى برامج تحويل الكلام إلى نص مكتوب، بمساعدة الذكاء الاصطناعي؛ ودون استخدام قلم أو لوحة مفاتيح، وانتهاء “بمعجزة” الكتابة بجودة مُذهلة بواسطة “روبوتات” الذكاء الاصطناعي، ودون حاجة إلى اليدين أصلا.
ونشرت صحيفة “الغارديان” (The Guardian) البريطانية نموذجا منذ أكثر من عامين، لإقناع الناس بعدم الخوف من الذكاء الاصطناعي، تحت عنوان “كتب روبوت هذا المقال بأكمله. ألست خائفا بعد، يا إنسان؟”.
ليس هذا فحسب، بل أصبح من الممكن كتابة نص “عن طريق أجهزة فك التشفير التي تقرأ نشاط الدماغ وأفكاره، من خلال المسح غير الجراحي”، وفقا لما أوردته “الغارديان” أيضا.
ورغم كل هذه الطفرات، بالإضافة إلى ما شهدته سنوات الإغلاق بسبب تفشي فيروس كورونا “كوفيد 19″، من اتساع نطاق التعليم عبر الإنترنت، وأداء الاختبارات على أجهزة الكمبيوتر؛ بالتزامن مع تزايد الدعوة لإلغاء الكتابة اليدوية في المرحلة الثانوية، ما زال الخبراء يرون أن تعليم الأطفال الكتابة بأيديهم واجب “يستحق العناء” حتى لو احتاج إلى وقت أطول وجهد أكبر.
5 أسباب
وفي معرض الرد على “تساؤلات الآباء عما إذا كانت الكتابة اليدوية تستحق الجهد المبذول في تعليمها للأطفال”، وخصوصا في ظل ثورة التكنولوجيا التي جعلت أدوات الذكاء الاصطناعي متاحة مجانا لأي طفل، لاستخدامها في كتابة نص يبدو كأنه من صنع البشر، في ثوانٍ معدودة، قالت لوسيندا ماكنايت وماريا نيكولاس الخبيرتان في أصول التدريس وعلوم اللغة بجامعة “ديكين” الأسترالية، في مقال مشترك، “إن الذكاء الاصطناعي لن يجعل تعليم الأطفال الكتابة بواسطة القلم زائدا عن الحاجة، فما زالت هناك 5 أسباب تُوجب تعليمهم الكتابة اليدوية، وكذلك استمرار تعليمها في المدارس”.
تطوير المهارات الحركية الدقيقة
وفقا للخبراء، “تساعد الكتابة اليدوية في تطوير المهارات الحركية المهمة والأساسية، وتدعم التنسيق اللازم للتحكم في الحركات الدقيقة المطلوبة (Fine motor skills) لقيام الطفل بالأنشطة المدرسية”، كما تساعده في تنشيط العضلات الصغيرة في الكفين والمعصمين، وتحسين براعته في استخدام أشياء من قبيل الإمساك بالقلم الرصاص أو استعمال المقص أو البناء باستخدام المكعبات، أو التقاط الأشياء الصغيرة، ويؤدي صقل المهارات الحركية أيضا “إلى وضوح خط يد الطفل، وطلاقته في الكتابة”.
لذا، يرى الخبراء أن الكتابة اليدوية “قد تكون أكثر أهمية من أي وقت مضى”، وخصوصا إذا عادت الاختبارات والامتحانات إلى الكتابة بخط اليد، ومُنع التلاميذ من استخدام الذكاء الاصطناعي في الكتابة.
الكتابة اليدوية محفز جيد الذاكرة
ومن بين الفوائد المعرفية المهمة للكتابة اليدوية بواسطة القلم أنها محفز جيد للذاكرة، فقد أظهرت الدراسات أن “الكتابة باليد تعمل على تحسين الاحتفاظ بالمعلومات”.
وقالت الدكتورة أنابيلا مالبيك خبيرة محو الأمية بجامعة مردوخ الأسترالية “إن الأقلام هي التي تحكم المدرسة وليست لوحة المفاتيح”، وحثت الآباء على تشجيع أطفالهم على استخدام أقلام الرصاص والورق لتعزيز الذاكرة والتنسيق بين اليد والعين والمهارات الحركية الدقيقة والابتعاد عن استخدام الهواتف والأجهزة اللوحية”، خصوصا في السنوات الثلاث الأولى من الدراسة.
كذلك تشير الأبحاث إلى أن “التعقيد الذي يُميز الكتابة اليدوية يجعل تذكر الملاحظات المكتوبة بالقلم أكثر سهولة، ويجعل القراءة أفضل من خلال ممارسة الكتابة”، إذ يرتبط الانضباط في الكتابة اليدوية بمهارات القراءة، ويساعد في تعزيز الذاكرة البصرية للأطفال للتعرف على الحروف المختلفة بسرعة “حتى يصبحوا قراء جيدين”.
الكتابة اليدوية متعة ورفاهية
تُعدّ الكتابة اليدوية “من المصادر الجيدة للشعور بالمتعة والرفاهية لدى جميع الأعمار”، فقد أظهرت الأبحاث أن “الكتابة الفعالة تعتمد على تطوير مهارات النسخ والرسم، إلى جانب مهارات المستوى الأعلى كالتخطيط ومراجعة الأفكار عند الكتابة، للتركيز على ما نريد قوله”.
وهي عملية تُشبهها الدكتورة مالبيك بمتعة تعلم قيادة السيارة؛ إذ تبدأ بتعلم قواعد الطريق وأنظمة المرور، وإمكانات السيارة وضوابط استخدامها، وتنتهي برفاهية الاستمتاع برحلة مريحة، موضحة أن “تطوير مهارات الكتابة الفعالة يُعد عملية تَعلّم أطول وأكثر تعقيدا، حيث تشير الأبحاث إلى أن إتقانها “قد يستغرق ما يصل إلى 20 عاما”.
متاحة في أي وقت أو مكان
الكتابة اليدوية الجيدة ضرورية في التعلم، حيث لا يزال العديد من الطلاب غير قادرين على الوصول إلى جهاز كمبيوتر وطابعة، وذلك يجعل الكتابة اليدوية الخيار الأسهل والأفضل، بخاصة عند كتابة بطاقة عيد ميلاد أو ملء نموذج مطبوع أو كتابة ملاحظة سريعة. فهي لا تحتاج إلى كهرباء أو أجهزة أو بطاريات أو برامج أو اشتراكات أو اتصال إنترنت سريع أو لوحة مفاتيح أو وقت للشحن، أو العديد من الأشياء الأخرى التي تعتمد عليها الكتابة الرقمية؛ “إنها تحتاج فقط إلى القلم والورق، ويمكن القيام بها في أي مكان”، وفقا لمقال ماكنايت ونيكولاس.
الارتباط الوثيق بين تَعلّم الكتابة والتفكير
“يحكم الناس على جودة أفكارك بناء على خط يدك”، كما يقول الدكتور ستيف غراهام، من جامعة فاندربيلت بولاية تينيسي الأميركية. ويؤكد علم الدماغ أن “الانضباط في الكتابة اليدوية يساعد الطفل في الإلقاء والتفكير الإبداعي” كما ترتبط الكتابة اليدوية المبكرة بالقراءة الأساسية والتحصيل الإملائي، وهو ما يمكن أن “يساعد في تعزيز التفكير والإنجاز المبكر”.
واستنادا إلى أبحاث تناولت الروابط بين الكتابة اليدوية والتأليف لدى الأطفال، وعلى الرغم من التقدم المذهل الذي أحرز في استخدام الذكاء الاصطناعي، “سيظل تعلّم الكتابة اليدوية عاملا مُهّما وجوهريا في تكوين الأطفال، لجعلهم قادرين على الكتابة بطلاقة وبخط واضح ومقروء”؛ حيث يُنظر الآن إلى التلقائية في الكتابة اليدوية على أنها مفتاح لتعلم التفكير والتأليف والإبداع، إذ تتشكل الأفكار أثناء الكتابة، ويتم تطويرها وتنظيمها، وهو ما لا توفره روبوتات الذكاء الاصطناعي.