حان الوقت المناسب لاعتراف بريطانيا بدولة فلسطين
أظهرت بريطانيا على امتداد قرن ونيف من الزمن، قلة احترام لحقوق الفلسطينيين، بحسب ما أفاد به مبعوث سابق لنا في القدس. ويجب علينا الآن أن نلعب دورنا في خلق إطار عمل للسلام
كتب فنسنت فين, في “اندبندنت عربية” :
إن الاعتراف بدولة فلسطين سيجلب معه سلعتين نادرتين هما الأمل والاحترام.
إن حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم هو مفتاح السلام العادل في الشرق الأوسط. لقد حرمت المملكة المتحدة الفلسطينيين من هذا الحق، من خلال سلوكها السيئ في أيام الانتداب [البريطاني] على فلسطين، قبل أن تتركها تواجه مصيرها وتهرب بسرعة في عام 1948. لقد مر 57 عاماً منذ أن احتلت إسرائيل غزة والقدس الشرقية وبقية الضفة الغربية. لقد حان الوقت اليوم أن تعترف بريطانيا بالدولة الفلسطينية في تلك الأراضي، في سياق [موقف] صائب ليس إلا.
كانت إسبانيا وإيرلندا والنرويج آخر الدول التي فعلت ذلك، إذ أعلنت الأسبوع الماضي أنها ستنضم اعتباراً من يوم غد إلى قائمة الدول طويلة التي تعترف رسمياً بالدولة الفلسطينية. لقد ضربت هذه الدول بذلك المثال الذي كان ينبغي على المملكة المتحدة أن تقدمه لما يسمى حل الدولتين، وهو مثال يتعين علينا أن نشجع الآخرين على اتباعه.
أولاً، هناك حاجة إلى بعض الوضوح في شأن الدولة الفلسطينية التي يجب علينا أن نتصورها. [إنها تقوم] على وجه التحديد [ضمن] حدود ما قبل يونيو (تموز) 1967، وتمارس بالسيادة الإقليمية الكاملة، وحرية حركة الأشخاص والبضائع، والسيطرة على المسائل الإدارية (تسجيل المواليد، وما إلى ذلك).
الأمن أمر أساس بالنسبة إلى إقامة الدولة. وفي يناير (كانون الثاني)، قال وزير الخارجية ديفيد كاميرون، إن الأعوام الـ30 الماضية كانت بمثابة قصة فشل لإسرائيل لأنها لم توفر هذا المطلب الأمني الأساس لمواطنيها. والسبب في هذا الإخفاق هو أن نتنياهو وأقرانه قد حرموا الفلسطينيين بصورة منهجية من حقوقهم، بما في ذلك حقهم هم في الأمن، وذلك من طريق الاحتلال العسكري الراسخ، والحصار، وبناء المستوطنات غير القانونية، وأشياء كثيرة إلى جانب ذلك.
إن إدراك أن سلامتي يمكن ضمانها بصورة أفضل من خلال تحقيق سلامة جاري، ومن طريق الأمن المتبادل مع وجود ضمانات دولية، هو ما سيوقف حلقة العنف المزمنة هذه. إن القمع ليس شراً فحسب، بل إنه لا يجدي نفعاً.
إن الحجج التي تقدم ضد الاعتراف بالدولة الفلسطينية الآن هي حجج زائفة. إن تأكيد وضعية فلسطين إلى جانب إسرائيل ليس “مكافأة للإرهاب”، كما ادعى نتنياهو الأسبوع الماضي، مضيفاً أن فلسطين ذات السيادة ستكون “دولة إرهابية” وأنها “ستحاول مرة تلو أخرى أن تنفذ مذبحة السابع من أكتوبر (تشرين الأول)”.
ومع ذلك فإن نحو 140 حكومة، من بين [حكومات] 193 دولة عضو في الأمم المتحدة، تعترف الآن بدولة فلسطين، علماً أن حكومتنا تعترف بالدول، وليس بحكومات الدول، وهذا تمييز مهم. لن يكون هناك اعتراف بـ”حماس” ولا بـ”فتح” ولا بأي فصيل آخر. إذا سعت “حماس” إلى محو إسرائيل من على الخريطة، فإنها لن تجني سوى الخسارة عندما تعيد الدول تأكيد اعترافها بإسرائيل ضمن خطوط ما قبل يونيو 1967. لقد كان الاعتراف البريطاني بإسرائيل حقيقة واقعة منذ أكثر من 70 عاماً وهو لا يتأثر على الإطلاق بالاعتراف بفلسطين.
كما أن الاعتراف البريطاني بفلسطين ليس “سابقاً لأوانه”. إنه قد تأخر عقوداً من الزمن. وقد صوَّت النواب بغالبية ساحقة لصالح الاعتراف بفلسطين قبل 10 أعوام. وكانت سياسة حكومتنا منذ عام 2011 هي الاعتراف بدولة فلسطين “في وقت نختاره، عندما يكون ذلك أفضل لدفع قضية السلام”. إن هذا الوقت المناسب قد حان الآن.
من الخطأ ربط الاعتراف بالدولة الفلسطينية بمفاوضات سلام محتملة. وتؤكد الإدارة الإسرائيلية الحالية أن لها الحق في كل الأراضي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن. كما ينص اتفاق الائتلاف [الحاكم بقيادة] نتنياهو صراحة على أن اليهود وحدهم يحق لهم تقرير المصير على تلك الأراضي، وهو ادعاء تم تحديده على أساس عنصري. وطالما بقي نتنياهو في منصبه، فلن تكون هناك مفاوضات. والاحتمالات الممكنة بعد ذلك تعتبر في أحسن الأحوال غير مؤكدة.
ويتعين على مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، أن يتعاون مع الشركاء الإقليميين، على إنشاء إطار عمل يمكن من خلاله تحقيق السلام العادل. في عام 1948، سعت بريطانيا إلى غسل يديها من مسؤوليتها التاريخية وإلقائها على كاهل الأمم المتحدة. ولا يزال واجب المملكة المتحدة يقضي بأن تقوم بعمل أفضل. لقد ولت منذ زمن طويل الأيام المشؤومة التي كانت بريطانيا فيها تمثل سلطة الانتداب، ولكنها لا تزال تتمتع بنفوذ يمكن أن تمارسه، سواء لفعل الخير أو للشر.
يذكر أن المملكة المتحدة عضو دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، إلى جانب فرنسا، التي أصبحت الآن اللاعب الرئيس في السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي. وينبغي للمملكة المتحدة أن تعمل بصورة وثيقة مع فرنسا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والدول المجاورة لإسرائيل العرب وشركاء الكومنولث الذين يفكرون الآن في الاعتراف [بدولة فلسطينية]، وخصوصاً أستراليا ونيوزيلندا.
إن الاعتراف يمكن أن يجلب معه سلعتين نادرتين هما الأمل والاحترام. هكذا يكون هناك أمل ببذل جهد دولي حقيقي ومستدام، مع قيام المملكة المتحدة بعد طول انتظار بدورها الكامل، من أجل معالجة عدم المساواة والتمييز وانعدام الأمن المشترك بالوسائل السلمية حصراً وعلى أساس القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. ويكون ثمة أمل في أن يتمكن الإسرائيليون من العيش بأمان، وأن يعترف بهم جميع جيرانهم العرب، وأن يتمكن الفلسطينيون من التمتع بحقهم في تقرير المصير.
أما في ما يتعلق بالاحترام، فقد أظهرت بريطانيا على امتداد قرن ونيف من الزمن، قدراً ضئيلاً من الاحترام لحقوق الفلسطينيين. إن اعترافها بفلسطين إلى جانب إسرائيل سيبدأ في إظهار المساواة في الاحترام [الذي تكنه] لكل من الشعبين الفلسطيني والإسرائيلي.
هذا [الاعتراف] ليس الحل الكامل. بيد أنه يشكل البداية الصحيحة.
سير فنسنت فين هو القنصل العام الأسبق للمملكة المتحدة في القدس، وأحد أمناء مؤسسة مشروع بلفور الخيرية