حاكم كاليفورنيا يتحدى ترمب وينتظر الفرصة

كتبت ماري ديجيفسكي في صحيف إندبندنت.
ستون عاماً تُعد فترة طويلة جداً في عالم السياسة الأميركية المتسارعة. لكن هذا هو الزمن الذي مضى منذ أن أمر رئيس أميركي بإرسال الحرس الوطني إلى ولاية من دون طلب رسمي من حاكمها.
يُعتبر الخط الفاصل بين سلطات إنفاذ القانون الفيدرالية وتلك الخاصة بالولايات من المبادئ الراسخة في النظام الفيدرالي الأميركي. وقد كان هذا أحد الخطوط التي تجاوزها دونالد ترمب مجدداً. فمن منظور أمني بحت، يبدو أن قراره بإرسال قوة قوامها 4000 جندي من الحرس الوطني إلى لوس أنجليس، مدعومين بـ700 من مشاة البحرية الأميركية، قد أدى الغرض المقصود.
فقد خمدت حدة الاحتجاجات العنيفة التي اندلعت رداً على عمليات الاعتقال والترحيل التي نفذتها وكالة الهجرة والجمارك بحق المقيمين غير الشرعيين. وعاد الهدوء نسبياً، في حين اعتُقل الآلاف بتهم تتراوح بين مخالفة قوانين الهجرة، والمشاركة في العنف، وخرق حظر التجول الذي فرضته المدينة.
ويبدو أن موجات الاحتجاج الصغيرة التي اندلعت لاحقاً في مدن أخرى قد تراجعت بفعل استخدام ترمب المعتاد والصدامي لصلاحياته الرئاسية- وهو أسلوب قد يُطعن فيه دستورياً. وإذا كانت النتائج الفورية تُعد نجاحاً سياسياً من منظور البيت الأبيض وقاعدة ترمب، فإن الأسئلة الأهم تتعلق بالتداعيات البعيدة المدى.
ولكن، إلى أي مدى يمكن أن تؤدي تصرفات الرئيس إلى تبعات مستقبلية تؤثر عليه أو على ورثته السياسيين؟ لا شك أن أحد الآثار المباشرة لذلك، هو عودة حاكم كاليفورنيا غافين نيوسوم إلى دائرة الضوء كأحد أبرز وجوه المعارضة على مستوى الولايات، كما كانت الحال في ولايته الأولى. والديمقراطيون اليوم، بلا شك، في أمس الحاجة إلى هذا النوع من القيادة.
فبدلاً من أن تشعل هزيمة كامالا هاريس الحماسة داخل الحزب وتدفع نحو تجديد الصفوف والالتفاف حول زعامة جديدة، بدا الديمقراطيون في حالة من التيه، غير قادرين على بلورة استراتيجية فعالة لمواجهة ترمب في ولايته الثانية.
فهل يكون غافين نيوسوم هو الزعيم الجديد الذي يبحثون عنه؟ وهل يملك ما يؤهله لخوض غمار المنافسة الرئاسية في انتخابات 2028؟ على ما يبدو فهو مستعد تماماً للتحدي.
فعلى رغم إعلانه بعد فوز ترمب أنه سيعمل معه، وهو ما أزعج بعض مؤيديه، إلا أن نيوسوم سرعان ما تبنى موقفاً حازماً إزاء حملات وكالة الهجرة والجمارك ضد المهاجرين غير النظاميين، مهدداً بمقاضاة الحكومة الفيدرالية بسبب إرسال الحرس الوطني إلى ولايته.
وعلى عكس ما حدث في ستينيات القرن الماضي عندما أُرسل الحرس الوطني إلى ألاباما لدعم احتجاجات الحقوق المدنية وسط مناورة سياسية خفية، فإن الخطوة الحالية لا تخفي أي دوافع من هذا النوع.
بإمكان البعض أن يحتج بأن تنفيذ قوانين الهجرة هو من صلاحيات الحكومة الفيدرالية، وأن عناصر وكالة الهجرة والجمارك واجهوا مقاومة عنيفة في لوس أنجليس احتاجت إلى تدخل لم تستطع (أو لم ترد) الولاية ولا المدينة توفيره. لكن ما إذا كانت هذه الظروف تُبرر التدخل الفيدرالي سيبقى مسألة قانونية تفصل فيها المحاكم.
طالما أن الحرس الوطني يلتزم بمهامه ضمن الأطر القانونية وهو ما ظهر في هذه الحالة، وطالما لا تُستخدم مشاة البحرية في ضبط النظام المدني بل في حماية الحرس الوطني، فقد لا تكون هناك مخالفة واضحة يمكن محاسبة ترمب عليها.
علاوة على ذلك، مهما حاول معارضو ترمب تصويره على أنه يتجاهل حقوق الولايات ويحاول فرض السيطرة الفيدرالية، فإن الواقع أكثر تعقيداً. فحكم المحكمة العليا بإلغاء (رو ضد ويد) بشأن حقوق الإجهاض- وهو القرار الذي رحب به ترمب- اعتُبر أيضاً تعزيزاً لسلطات الولايات، لا تقليصاً لها.
نجاح نيوسوم في فرض موقفه كمدافع عن حقوق الولايات من شأنه أن يرفعه إلى الساحة الوطنية بقوة. لكن حتى مع ذلك، قد يبقى التساؤل قائماً حول فرص صعوده لقيادة معارضة متماسكة في الحزب الديمقراطي في مواجهة الرئيس ترمب على نطاق أوسع.
صحيح أنه كان مرشحاً محتملاً لمنصب نائب الرئيس إلى جانب كامالا هاريس، لولا الخشية من أن يُنظر إلى ترشيحهما، وهما من كاليفورنيا، كعبء انتخابي (وهو طبعاً كذلك). وصحيح أنه مثل شوكة في خاصرة ترمب في ولايته الأولى، كما أن رونالد ريغان استخدم منصب حاكم كاليفورنيا منصة للوصول إلى الرئاسة. لكن كل ذلك لا يكفي وحده.
أثار غافين نيوسوم معارضة صاخبة داخل ولايته التي يهيمن عليها الديمقراطيون، ولا شك في أن دونالد ترمب سيكون مستعداً لمعركة سياسية وخطابية شرسة دفاعاً عن برنامجه. فقد أظهر ترمب حتى الآن احتقاراً واضحاً لنيوسوم، الذي يراه يسارياً، ليبرالياً، وضعيفاً، ويملك شغفاً لا يشبع لفرض الضرائب المرتفعة. وهو، في نظر ترمب، من أبرز أسباب تدهور حال كاليفورنيا، ويكاد يكون النظير الفردي لكره ترمب الآخر: الاتحاد الأوروبي. وكثير من أنصار ترمب المخلصين يشاركونه هذا الرأي.
ومع ذلك، حتى لو نجح نيوسوم في إثبات نفسه كسياسي قادر على الدفاع عن الموقف الديمقراطي على المستوى الوطني، فهناك أسباب قوية تجعل من هذه المواجهة بالذات خطوة قد لا تصب في مصلحته على المدى البعيد.
وتكمن مشكلة نيوسوم في أن دعم ترمب، على رغم تراجعه في قضايا أخرى على المستوى الوطني، لا يزال قوياً عندما يتعلق الأمر بموقفه المتشدد من الهجرة. والظهور بمظهر المدافع عن “مهاجرين غير شرعيين” داخل الولايات المتحدة، ليس الموقف الذي يرغب الديمقراطيون في تبنيه، سواء الآن، أو مع اقتراب انتخابات التجديد النصفي للكونغرس العام المقبل، أو حتى في انتخابات 2028.
وقد يكون ترمب أقل عرضة للمعارضة الحزبية مقارنة برؤساء سابقين عديدين. هناك بالفعل أحاديث جديدة عن احتمال عزله (مرة أخرى)، لكنه نجا من محاولتين سابقتين، وهو من الناحية الانتخابية، وقد دخل ولايته الثانية، لا يملك الكثير ليخسره- على رغم كل الأحاديث الجانبية حول رغبته في تعديل الدستور لتمكينه من الترشح لولاية ثالثة.
والواقع المحرج هو أن المرشحين الجمهوريين للمناصب العامة باتوا أكثر اعتماداً عليه مما هو عليهم. يُضاف إلى ذلك أن ترمب ليس ابن المؤسسة الحزبية، بل هو صفقة فردية: رجل أعمال تحوّل إلى رئيس، يختبر حدود السلطة الدستورية إلى أقصاها.
أما انتماؤه للحزب الجمهوري فهو مجرد انتساب مصلحي يقتضيها النظام السياسي القائم. وقد ينتظر الجمهوريون التقليديون بفارغ الصبر حتى يتمكن حزبهم من ترشيح جمهوري “حقيقي” وأكثر قابلية للتوقع للمنصب الأعلى.
لكن في هذه الأثناء، باتت حظوظهم السياسية مرتبطة بحظوظه، بينما يركّز هو على إرثه المستقبلي: حيث تأتي أميركا أولاً، ومعها بلاد بعدد أقل من المهاجرين غير النظاميين. وربما يكون لغافين نيوسوم مستقبل سياسي وطني، لكن من الحكمة أن يكبح غضبه في الوقت الراهن وينتظر فرصته المناسبة.