رأي

حازمات في البرلمان

كتب يوسف طراد, في “النهار”:

ليس هناك من خلل كبير في تمثيل العنصر النسائي في البرلمان اللّبنانيّ، على الرغم من عدد النائبات القليل بالنسبة للعدد الإجماليّ: “ثماني نائبات، من أصل مئة وثمانية وعشرين نائباً”، لأنّ قراءة واقعهنّ السياسي، يتجاوز مسألة العدديّة إلى مسألة الحرّيّة الواسعة لإبداء الرأي في مجمل القضايا المطروحة ضمن جلسات المجلس، بدون خوف من ردود الفعل السلبيّة؛ ومناصرة قضايا حياتيّة وإنمائيّة وتشريعيّة، خارج إطار ما ترفضه الأحزاب التقليديّة، ولو كنّ منتميات إلى هذه الأحزاب.

هناك نائبتان منضويتان في حزب القوّات اللّبنانيّة:
_النائبة ستريدا جعجع، عقيلة الدكتور سمير جعجع رئيس حزب القوّات اللّبنانيّة. هي عضو في مجلس النوّاب منذ تمّوز 2005 عن دائرة بشرّي. ساهمت بشكل كبير في تسيير أمور حزب القوّات اللّبنانيّة في أحلك الظروف، في الفترة التي سجن فيها الدكتور جعجع ظلماً عندما كان الحزب محظوراً، بعد أن حلّته الحكومة اللّبنانيّة تحت ضغط الإحتلال السوري. ويمكن القول أنّها غلّفت إرث البشير بكلوم الروح في تلك الفترة، ونقلته إلى السّمير بكلّ أمانة، ذاك الإرث النضالي الوطني الذي تخطّى مصطلحات كثيرة كحماية حقوق المسيحيّين إلى حماية الكيانيّة اللّبنانيّة. بانت جرأتها بوضوح عند مداخلتها في البرلمان اللّبناني، بعد استشهاد نجل السيد حسن نصرالله، داعية حزب الله إلى الإلتقاء من أجل خلاص لبنان. المعروف عنها أنّها سيدة الإنماء الأولى، فالمشاريع التي إهتمّت وتهتم بها في منطقة بشرّي التي كانت محرومة من الإنماء طيلة أربعة عقود، خير دليل على هذا اللقب المميّز. حاربت بكل قواها، المخالفات التي تندرج في جدول إزالة وادي قاديشا عن التراث الدينيّ العالميّ، غير آبهة بخسارة أصوات الناخبين الكثر المنتفعين من هذه المخالفات.

_النائبة غادة أيّوب، هي عضو مجلس النواب اللّبناني عن قضاء جزّين منذ أيّار 2022. تعتبر موسوعة في نائب يمثّل اللّبنانيّين، فخلال مناقشة الموازنة أدلت برأيها واستفاضت في تبيان شوائب المشروع. تتميّز بمواقفها السياسيّة الواضحة غير آبهة بتداعيات هذه المواقف. تصاريحها ناريّة عبّرت وتعبّر عن حالة البلد الراهنة كقولها: “الإيراني يمارس القتال التأخيريّ عبر شباب لبنان، للجلوس مع الإدارة الأميركيّة الجديدة”، وتصريحها عشيّة إنتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهوريّة: “من عطّل البلد لمدّة سنتين هو نفسه الذي جلب الخارج من أجل انتخاب رئيس للجمهوريّة”.

النائبة عناية عز الدين، منضويّة في كتلة التنمية والتحرير، هي نائبٌ في مجلس النوّاب اللّبنانيّ منذ أيّار 2018 عن دائرة صور-الزهراني. برهنت خلال تولّيها حقيبة وزارة التنمية الاداريّة عن إلمام كبير بكلّ ملّف أمسكته، حادّة الذكاء، لطيفة ومتواضعة، وقد ظهر ذلك خلال تعاملها مع الجميع وخاصة موظفي الوزارة. وقد قدّمت نموذجاً في مكافحة الفساد وإحقاق العدل، وطالبت بشدّة بضرورة إنشاء حالة طوارئ لمعالجة التلوّث في نهر اللّيطاني، معتبرة أنّ هذا الأمر همّاً وطنيّاً. قامت بدور محوريّ، كصوت صارخ في البرلمان من أجل قضايا النساء، لكن المفاعيل التشريعيّة الضعيفة حالت دون تحقيق ما تصبو إليه. تولي أهميّة كبرى للثقافة كونها تبني الأوطان.

النائبة ندى البستاني، منضوية في كتلة لبنان القوي، هي نائبٌ في مجلس النوّاب اللّبناني منذ أيّار 2022. واجهت سيلاً من الانتقادات في ملف الكهرباء من خصوم التيار الوطني الحرّ، كونها ورثت كمّاً من المشاكل الماليّة والتقنيّة واللّوجستيّة، العائدة لهذا الملف خلال توليها حقيبة وزارة الطاقة والمياه. وخاضت تجربتها الصعبة للغاية، على الرغم من إستلامها أكثر الملفّات إشكاليّة في زمن الحكومات منذ الاستقلال، وواجهت خلال عملها كنائبة ووزيرة تحويراً ممنهجاً لكلّ طروحاتها كونها صعبة التنفيذ في بلد مفلس. وكانت تحدّياتها كامرأة دافعاً لخوضها غمار المعركة الانتخابيّة. عملت على دعم إقرار قانون موحّد للأحوال الشخصيّة وإلغاء المحاكم الطائفيّة. وكيف نصل إلى هكذا قانون عصريّ في بلد مبني على الطائفيّة؟

النائبة حليمة قعقور، تشغل عضويّة مجلس النوّاب اللّبناني منذ أيّار 2022 عن دائرة الشوف-عاليه، نشرت كتاباً بعنوان “مسيرة النساء اللّبنانيّات إلى الندوة البرلمانيّة”. واجهت الكثير من التحدّيات داحضة الاتهامات والتشكيك في قدرتها على الاستمرار، كونها سيدة ترشّحت عن قوى التغيير في وجه الإقطاع، في منطقة لديها خصوصيتها طائفيّاً واجتماعيّاً وسياسيّاً. تشتهر بمدافعتها الشرسة عن الدستور، اعتبرت أنّ وصول ثماني نساء فقط إلى البرلمان غير كاف، وهي ترى أنّ الأولويّة لإقرار قوانين تشريعيّة توفّر المساواة بين الرجال والنساء، بدءاً من الأجور إلى الحد من التمييز في فرص العمل المتاحة للجميع. وفي ظل سطوة الاحزاب طائفيّا وسياسياً وايديولوجيّاً كانت وما تزال طروحاتها الحقوقيّة-التشريعيّة صعبة التحقيق في مجلس لم يستطع انتخاب رئيس للبلاد خلال سنتين ونيّف. لها رصيد من المداخلات الصاروخيّة في معظم جلسات مجلس النوّاب، وآخرها في جلسة انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهوريّة.

النائبة نجاة صليبا، تعتبر أيضاً نائبة عن قوى التغيير المنبثقة من ثورة السابع عشر من تشرين، تشغل عضوية مجلس النوّاب اللّبنانيّ منذ أيّار 2022 عن دائرة الشوف-عاليه. تولي أهميّة كبيرة للأمور البيئيّة، تصريحاتها هادفة إلى المصالحة الوطنيّة، إعتبرت أنّه “كان من الضروريّ ألّا يمتد الفراغ الرئاسي إلى سنتين وأكثر، وانتظام العمل المؤسّساتي والسلطة التي حاصصت كلّ شيء لا تمثّل الشعب” ، عازفة على وتر الحقوق المشروعة للشعب التي طالبت بها ثورة السابع عشر من تشرين. خاطبت الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين بلهجة حازمة: “أيّ اتّفاق يمّس بسيادة لبنان وأمنه، مرفوض ولا يمثّل اللّبنانيّين”.

النائبة سينتيا زرازير، أيضاً هي نائبٌ في البرلمان اللّبناني منذ أيار 2022 عن دائرة بيروت الأولى. نشطت بشدة في حراك السابع عشر من تشرين منذ بداياته في السّاحات والتحركات. هي من النوّاب المطالبين بحقوق المودعين، اقتحمت فرع أحد المصارف في منطقة إنطلياس، برفقة مراسل قناة فضائيّة للمطالبة بوديعة مصرفيّة. هي القائلة: “ليس إنجازاً عظيماً توقيف رياض سلامة، إنّما هو من بديهيّات التطبيق السليم للقانون والعدالة، ولكن رياض سلامة لا يشكّل سوى ثمن جبل الجليد…” تصرّ أن تسمي نفسها نائبة (مصيبة) على المنظومة. شعارها ثائرة على الأرض ثائرة في المجلس.

النائبات الثلاث عن قوى التغيير، تأنّقت أصواتهنّ أنشودة تكنس أرق الوطن عن أرصفة عارية من الأحلام ترسو عليها سفن القراصنة، وقد أسدلن رموشهنّ خلال الثورة ستارة على أعتاب الشعارات التي تزهر أغصانها أحلاماً ربيعيّة مع أمنيات جميلة.

وأخيراً وليس آخراً، النائبة بولا يعقوبيان، تشغل عضويّة مجلس النوّاب اللّبناني، منذ أيار 2018. وهي نائبة مستقلّة فازت عن لائحة كلّنا وطني في بيروت، تشتهر بمداخلاتها الجريئة والحادّة خلال جلسات المجلس النيابي. نظّمت خلال جانحة “كوفيد 19” حملة مساعدات بعنوان “دفى”، شارك فيها الكثير من المتطوعين والفنّانين. اقترحت قانوناً لإلغاء الألقاب العثمانيّة والفرنسيّة، وآخر لإلغاء محارق النفايات. في العام 2018 اختصرت المسؤولين والأزمنة بحديثها عن النفايات النوويّة المقيمة عندنا ردحاً من الزمن، والمطمورة في مطمر برج حمّود بطريقة غير سليمة تؤدّي إلى تفشّي الإشعاعات. استقالت من المجلس النيابي، غداة إنفجار القرن في الرابع من آب 2020. قالت خلال جلسة انتخاب العماد جوزاف عون رئيساً للجمهوريّة في رد ضمني على التيار الوطني الحرّ: “كنت أحبّ أن أصدّق حرص بعض الأحزاب على الدستور وهم خالفوا الدستور وصوّتوا للعماد ميشال سليمان…” ممّا أثار حفيظة النائب سليم عون، وحصلت مشادة كلاميّة عنيفة لم تخل من عبارات خارجة عن لياقة التخاطب الراقي من قبل الأخير. وكانت هذه المشادة حدثاً بارزاً تناولته معظم وسائل الإعلام.

وها قد طوى لبنان صفحة الانتخابات الرئاسيّة، وبدأ عهد جديد سيعقب عهوداً خصّصت لجاناً ثانوية شكليّة، حملت شعار شؤون المرأة من دون فعاليّة تذكر لدورها الرياديّ، وآخرها إنشاء وزارة دولة لشؤون المرأة تولاها رجل. فهل جرأة وجسارة وحزم العنصر النسائي في البرلمان النيابي تجابه بالاستهتار من بعض النوّاب والشتائم من بعض آخر، خلافاً لآخرين الذين يكنّون لهنّ الإحترام والتقدير لأعمالهنّ ونضالهنّ البرلماني، كالنائب والوزير السابق ملحم الرياشي الذي أخد الصورَ معهنّ منذ مدّة، بكل فخر واعتزاز واحترام، على الرغم من انتمائاتهم السياسية المختلفة.

ثمة نساء ينظرن إلى جثث المراسيم المتناثرة، يستمعن إلى أصوات يختلط فيها الصراخ بالصراخ… ويحاولن تصحيح المسارات، إنهنّ نائبات البرلمان اللبناني.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى