حاجتنا إلى مراسيم سعادة
كتبت نعمة جعجع في “اللواء”:
الذكرى الثانية للإنفجار المأساوي في مرفأ بيروت تزامنت مع انهيار صوامع إضافية من إهراءات القمح ليتحرّك السكين من جديد في الجرح النازف جراء غياب الحقيقة، ولعلّ أصدق تعبير وخير أمنية في المناسبة ما جاء على لسان قداسة البابا فرنسيس الذي قال إنه يأمل للشعب اللبناني أن يرتاح «بإنجاز العدالة والحقيقة التي لا يمكن إخفاؤها أبدًا».صوامع الإهراءات باتت تختصر الوضع اللبناني برمّته، فهي تختزل جميع أنواع الصراعات والتناقضات بدل مخزون الحبوب، والنار التي تشتعل بداخلها لا تقلّ عما يُلهب قلوب ذوي الضحايا وسكّان بيروت ومحبّيها، وانهيارها تباعًا يشبه انهيار مؤسسات الدولة واقتصادها وقدرة اللبنانيين على مقاومة حرائق الاستشفاء والدواء والغذاء والكهرباء والماء بعدما انهارت العملة الوطنية وتبخّرت ودائعهم في المصارف. إلاّ أن مسحة الحزن والدموع النابعة من انسحاق القلوب على ما آلت اليه الأوضاع، والتي تغطّي مساحة الوطن وتنغّص عيش اللبنانيين مقيمين ومغتربين ووافدين إلى ربوعه لا يمكن أن تتحوّل إلى وضعٍ ثابت ومنهج حياة، لأن إرادة الحياة لدى اللبنانيين تجعلهم يُدركون حدود الانسحاق والدموع وكيفية مزجها بالرجاء والعزاء لعيش حياة الفرح مع الانسحاق وترك الدموع في العيون لتتحوّل من دموع محرقة إلى دموع معزّية، تمامًا كمرحلة المخاض عند المرأة الحبلى التي تترافق مع الألم ليصبح الطريق سالكًا أمام المولود الجديد. كل ولادة جديدة تترافق مع الألم، حتى الحب لا يكتمل إلا بالألم. تاريخ لبنان مليء بالمحن والدموع، لكنه كان ينهض في كل مرة بفضل صبر اللبنانيين الذين كانوا يتسلحون بالأمل، ينظرون إلى الشوكة ويرون الوردة، ينظرون إلى الليل ويرون الفجر، كما يُدركون أن الهلال يحتاج إلى وقت ليصبح بدرًا.
لربما يحتاج لبنان إلى مراسيم تطبيقية لسياسة السعادة المفقودة التى تنشدها أغلب دول العالم المتحضر في العصر الحالي، كالمرسوم الذي أصدره الفرنسي فريدي ريفو رئيس بلدية إيسار-أن- بوكاج (غرب فرنسا) الذي منع بموجبه بثّ أي موسيقى قد تعتبر كئيبة أو مشاهدة أفلام أو قراءة قصص أو كتب تنتهي بشكل سلبي، كما دعا إلى إنتاج هرمونات السعادة من خلال الضحك ثلاث مرات على الأقل في اليوم، وذلك لمعالجة سرعة انتشار شعور الحزن وأضراره المدمرة، طالبًا منع دخول أي شخص إلى البلدة الفرنسية قد يشكل عائقا أمام تنفيذ المرسوم للتعبيرعن الفرح. صدمة إيجابية واحدة كفيلة بنقل اللبنانيين من الحزن إلى الفرح، ننتظرها بفارغ الصبر.