رأي

جنون سباق التسلح النووي

كتب علي قباجة, في الخليج:

في السادس من أغسطس من كل عام، تعود ذاكرة العالم إلى لحظة مفصلية في التاريخ الإنساني، إلقاء القنبلة النووية الأمريكية «ليتل بوي» على مدينة هيروشيما، تلتها بعد ثلاثة أيام قنبلة أخرى على ناغازاكي وما حدث في ذلك الوقت لم يكن مجرد نهاية للحرب العالمية الثانية، بل بداية لعصر جديد من الرعب النووي، حيث أُزهِقت أرواح عشرات الآلاف في لحظة واحدة، وتبعتها معاناة ممتدة لعقود، تتمثل في الأمراض والتشوهات البيئية والجينية، التي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم. تلك اللحظة ينبغي أن تبقى جرس إنذار دائماً، بأن السلاح النووي تهديد وجودي حقيقي، قد يُبيد البشرية في غفلة، فالتلويح المستمر باستخدامه، في ظل النزاعات المتصاعدة، يجعل العالم أقرب إلى حافة الهاوية.
اليوم، يبدو العالم وكأنه يكرر أخطاء الماضي، لكن بخطورة مضاعفة، فالدول النووية لا تكتفي بالاحتفاظ بترساناتها، بل تضخ مليارات الدولارات في تطويرها وتسابق الزمن لتصنيع رؤوس أكثر دقة وفتكاً، والمقلق أن العقيدة النووية لبعض الدول باتت أكثر مرونة، حيث تُخفّض عتبة الاستخدام، بما يعني أن اللجوء إلى السلاح النووي لم يعد مستبعداً في نزاع تقليدي والواقع يؤكد ذلك، ففي الحرب الروسية الأوكرانية، لم تتردد موسكو في التلويح بالخيار النووي وتعديل عقيدتها بما يتيح لها استخدامه إذا «تعرَّض أمنها للخطر» وهو ما يضع العالم على صفيح ساخن.
في المقابل، تتحرك دول أوروبية كفرنسا وبريطانيا نحو تعزيز ترسانتيهما وكذا الحال في آسيا، التي ليست بعيدة عن السباق النووي، فهي كذلك مسرح آخر لخطر دائم، فالصراع الهندي الباكستاني قائم على شفا حفرة من التصعيد النووي وكوريا الشمالية تواصل سياسة الابتزاز النووي وإسرائيل التي تمتلك سلاحاً نووياً غير مُعلن، تُبقي خيار استخدامه قائماً تحت ذرائع «الدفاع عن النفس»، بل إن بعض مسؤوليها طالبوا باستخدامه ضد غزة.
ما يزيد الأمر خطورة هو غياب آلية دولية فاعلة لإيقاف هذه النزعة المتزايدة نحو عسكرة الردع النووي، وتهميش الاتفاقات الدولية المعنية بالحد من انتشار الأسلحة النووية. إن الاحتكام إلى القوة النووية ليس مظهر قوة، بل هو إعلان فشل في إدارة الصراعات بالطرق السياسية والدبلوماسية والخطر لا يقتصر على لحظة الانفجار، بل يمتد لعقود من الموت البطيء، وتدمير الأنظمة البيئية، وإصابة الأجيال القادمة بأمراض لا تُحصى، لذا فإن العالم أمام مفترق طرق، إما أن يسلك طريق التعاون والردع المتبادل القائم على التفاهمات والاتفاقات، وإما أن يواصل الانحدار نحو سباق تسلح مدمر، تكون نتيجته نهاية البشرية وقد آن الأوان لتجديد الالتزام الدولي بمنع استخدام هذا السلاح وتغليب العقلانية على جنون القوة، فخطأ واحد كفيل بإشعال حرب لا تُبقي ولا تذر.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى