رأي

جنت على نفسها براقش!

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.

أميركا في نظر الشعب الكويتي، بصفة عامة، بلد وشعب صديق، فأميركا لها فضل لا ينسى بمساهمتها الرئيسة في تحرير الكويت من براثن الغزو العراقي الغاشم في عام 1990، وأميركا لها دور مستمر في حماية الأراضي الكويتية في ظل الوضع الجغرافي الحساس لدولة الكويت، ومشاعر التقدير والامتنان لأميركا وشعبها ما زالت قائمة عند معظم أهل الكويت، كيف لا وكثير من أبناء الكويت، ومن قادتها ومسؤوليها، تتلمذوا في الجامعات الاميركية، وكوّنوا صداقات مع أفراد من شعبها.

على الرغم مما سبق ذكره، فإن الصورة العامة الذهنية لأميركا وساستها أصابها الكثير من الضرر لدى العامة، ولا يشمل هذا الضرر الصورة الذهنية للشعب الأميركي، الذي لا ناقة له ولا جمل في قرارات قادته في البيت الابيض، وإنما يقتصر على دور الساسة الأميركان، والإدارات التي تولت الحكم في أميركا، بما تقوم به من أدوار سلبية في الشرق الأوسط، لا تخدم بصفة عامة شعوب المنطقة، وبشكل خاص تضر بشكل بالغ بالقضية الفلسطينية ومصالح الشعب الفلسطيني.

فالإدارة الأميركية عبر عقود من الزمان مكنت عدداً من الأنظمة العربية لقيادة بعض الدول العربية على نحو انعدمت فيه الديموقراطية والحريات والعيش الكريم.

والإدارة الأميركية دعمت الكيان الصهيوني المحتل وسايرته، وغطت عليه في تهربه وتجاهله معظم القرارات الدولية المتعلقة بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني.

والإدارة الأميركية تواطأت مع الكيان الصهيوني المحتل في رفض كل مبادرات السلام العربية بشأن فلسطين، واستمرت بإظهار عدد من البلدان بمظهر التابع والمعدوم الإرادة.

والإدارة الاميركية توافقت مع الكيان الصهيوني المحتل في إضعاف منظمة التحرير الفلسطينية، بل تمادى الطرفان لجعل المنظمة أحد الأطراف الداعمة لخططهما في فلسطين.

والإدارة الأميركية، عن عمد وسبق إصرار، استمرت في تزويد الكيان الصهيوني المحتل بأنواع السلاح، سواء المسموح به أو المحرم دولياً، لقتل وإصابة أبناء الشعب الفلسطيني منذ عقود، وهي الدولة الأبرز التي تقاتل الآن مع الصهاينة لدحر المقاومة في غزة.

والإدارة الأميركية تغاضت عن جرائم الإبادة والتطهير العرقي، التي يقوم بها الكيان الصهيوني في غزة ومعظم الأراضي الفلسطينية، بل إن تصريحات العديد من المسؤولين الأميركان باتجاه استمرار القصف والحرب ودعم ما يقوم به الكيان الصهيوني من جرائم إبادة، ومؤخراً ولذر الرماد في العيون، صدرت تصريحات أميركية خجولة لعقد هدنة أو خلافه، هدفها الرد على الحملة العالمية، التي أظهرت الإدارة الأميركية بالمظهر السلبي والمؤيد لجرائم الحرب.

والإدارة الأميركية لها دور رئيسي في استمرار صلف الكيان المحتل ببناء المستوطنات غير المشروعة على الأراضي المحتلة، ودعم هجرة اليهود الى الكيان المحتل، على الرغم من مخالفة ذلك للقرارات الدولية.

والإدارة الأميركية ضربت بالقرارات الدولية عرض الحائط، ونقلت سفارتها من تل ابيب الى القدس في عام 2018، متجاوزة بذلك الحقائق التاريخية ومشاعر العرب والمسلمين.

والإدارة الأميركية غضت الطرف عن الممارسات الصهيونية بتهويد المسجد الأقصى ومحاولة هدمه والقيام بتدنيسه، من دون أن تحرّك ساكناً، في مكان مقدس يعد من أهم مقدسات المسلمين والعرب.

والإدارة الأميركية بإرادة منها، كما يظهر أو نتيجة لضعف، باعتبار أنها مسلوبة الإرادة، مكنت اليهود في دولتها بقيادة السياسة الخارجية لها، وإضافة الى ذلك كانت الإدارات الاميركية المتعاقبة حيال القضية الفلسطينية أسيرة لفكر ورؤية المد السياسي المسيحي المتصهين في المجتمع السياسي الأميركي، والذي كان له دور في تحول الوضع القائم في فلسطين الى ما يشبه الحرب الدينية.

والإدارة الأميركية ساهمت وما زالت تضغط بكل الوسائل المشروعة، وغير المشروعة، على عدد من الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني المحتل، متجاوزة بذلك مصالح الدول والشعوب.

والإدارة الأميركية قامت وبشكل فج، وبعيداً عن الحكمة، بالتخلي عن كل مبادئ حقوق الإنسان أو المبادئ الليبرالية والعلمانية، فلا صوت للحرية أو الحق أو الإنسانية أو العدالة يعلو على صوت القصف الصهيوني على غزة وجرائم الإبادة الواقعة على الشعب الفلسطيني.

من الطبيعي أن يستاء الساسة الأميركان من مشاعر الرفض والاستياء في المجتمع الكويتي من مواقف أميركا في القضية الفلسطينية، وهو مجتمع صديق لأميركا وقريب منها، فكيف إذاً بمواقف الشعوب العربية والإسلامية التي لا تربطها بأميركا مصالح أو مواقف تسجل لأميركا، ويزداد الاستياء بصورة أكبر بالرفض للمواقف الأميركية بالمقاطعة والمعارضة، وتراجع التأييد لها في منطقتنا العربية، بل وضعت الادارة الاميركية بممارساتها السلبية نفسها في مواجهة مع العالمين العربي والإسلامي، وكطرف غير محايد، بل منحاز كلياً للصهاينة، والصورة الذهنية للإدارة الاميركية عند العرب والمسلمين نتاج ما جنوا على أنفسهم، وهم من أساءوا كقادة وساسة أميركان لدولتهم وشعبهم وشعوب العالم، و«على نفسها جنت براقش».

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى