صدى المجتمع

جليد سواحل القطب الجنوبي يتراجع إلى أدنى مستوياته.

أشار تحليل مبدئي لبيانات الأقمار الاصطناعية الأميركية إلى أن الجليد البحري حول القارة القطبية الجنوبية (أنتاركتيكا) انحسر ووصل إلى مستويات قياسية منخفضة جديدة هذا الشتاء، مسجلاً رقماً مقلقاً.

وبالتزامن مع تحول نصف الكرة الجنوبي إلى مناخ ربيعي، أعلنت “وكالة الفضاء الأميركية” و”المركز الوطني (الأميركي) لبيانات الثلوج والجليد” الإثنين الماضي، أن الحد الأقصى للجليد البحري في القطب الجنوبي بلغ 16.96 مليون كيلومتر مربع (6.55 مليون ميل مربع) في الـ10 من سبتمبر (أيلول) 2023.

وأوضح “المركز الوطني” أن ذلك الرقم يشكل أدنى حد شتوي منذ بداية تسجيل بيانات الأقمار الاصطناعية في عام 1979، ويقل بحوالى مليون كيلومتر مربع عن الرقم القياسي السابق المسجل في شتاء عام 1986.

ويأتي ذلك بعد أن انحسرت مساحة الجليد البحري في “أنتاركتيكا” خلال فصل الصيف إلى مستوى قياسي في فبراير من هذا العام، متجاوزة الرقم القياسي السابق المسجل في عام 2022.

وكذلك حذر باحثون من أن هذا التغير سيكون له تأثيرات وخيمة حيوانات كالبطاريق التي تتكاثر وتربي صغارها على سطح البحر الجليدي، وسيفاقم أيضاً أزمة المناخ إذ سيقلص كمية ضوء الشمس التي يعكسها الجليد الأبيض إلى الفضاء. [يؤدي انعكاس ضوء الشمس عن السطح الجليدي إلى ارتداد تلك الأشعة مع ما تحمله من حرارة إلى خارج الأرض، مما يخفض حرارتها. وحينما لا يحصل ذلك، يبقى الضوء مع ما يحمله من حرارة ضمن الغلاف الجوي للأرض، فيزيد ظاهرة الاحتباس الحراري].

وفي ذلك السياق، ذكر العالم البارز في “المركز الوطني لبيانات الثلوج والجليد”، والت ماير، “إنها ليست مجرد سنة قياسية، بل هي استثنائية بكل المقاييس”.

وأضاف السيد ماير أن نمو الجليد البحري يبدو أنه “تراجع في معظم أرجاء القارة، بمعنى أنه لم ينحسر في منطقة واحدة”.

والجدير بالذكر أن الجليد البحري الذي يطوق “أنتاركتيكا” يصل إلى أقصى مساحة له كل شهر سبتمبر، حينما ينقضي فصل الشتاء ويحل الربيع في نصف الكرة الجنوبي. ثم يذوب ذلك الجليد تدريجاً ويصل إلى أدنى مستوى له في فبراير (شباط) أو مارس (آذار) حينما ينتهي فصل الصيف.

ظلت التغيرات الموسمية في القطب الجنوبي مستقرة بشكل أساسي حتى عام 2016، حينما سجل رقماً قياسياً جديداً عن أدنى مستوى صيفي للجليد البحري. ومنذ ذلك الحين، سجل عدد من الأرقام القياسية، خصوصاً خلال السنتين الأخيرتين. لقد شهدت هذه السنة بلوغ أدنى حد للجليد البحري في الصيف وأدنى حد له في الشتاء.

وفي ذلك الصدد، ذكر بيان صادر عن “المركز الوطني” أن الأرقام مبدئية، وسينشر تحليل كامل عنها في الشهر المقبل. وحذرت وكالة “ناسا” أيضاً من أن “تغيرات الرياح أو امتداد مساحة القارة في فصل الصيف قد تزيد من مساحة امتداد الجليد القطبي”.

وليس من الواضح حتى الآن مدى الدور الذي تؤديه درجات الحرارة العالمية القياسية هذا العام في بلوغ الجليد مستويات غير مسبوقة في أنتاركتيكا، ولكن التحول في السنوات الأخيرة يثير قلق العلماء من أن أزمة المناخ قد تتجلى آثارها وتنعكس على الجليد البحري في المحيط بأنتاركتيكا.

وكذلك أشار آخر تقرر للمركز إلى وجود “مخاوف متجددة من أن هذا الأمر قد يشكل بداية لاتجاه طويل الأمد نحو انخفاض جليد البحر القطبي الجنوبي، إذ تشهد المحيطات ارتفاعاً في درجات الحرارة على الصعيدين العالمي والمحيط الجنوبي، ويمكن أن يستمر اختلاط المياه الدافئة في الطبقة القارية للقطب الجنوبي”. [تؤلف الطبقة القارية 90 في المئة من القطب الجنوبي].

وبينما حذر السيد ماير في شأن التبكير في الجزم بذلك الأمر، أشارت مقالة أكاديمية نشرت في وقت سابق هذا الشهر في مجلة “Communications Earth and Environment” إلى أن التغير المناخي قد يشكل أحد العوامل المختلفة المؤثرة في تلك الظاهرة.

وكذلك أظهرت الدراسة أن ارتفاع درجات حرارة المحيطات، الذي يعزى بشكل رئيس إلى انبعاثات غازات الدفيئة التي يتسبب بها الإنسان، أسهم في تقليل مستويات الجليد البحري منذ عام 2016.

وأوضحت أريان بوريش، الباحثة في مجال الجليد البحري في “جامعة موناش” في أستراليا والمشاركة في الدراسة، أن “الرسالة الرئيسة في البحث تتمثل بأننا بحاجة بالفعل إلى الحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بغية حماية هذه المناطق المجمدة من العالم التي تعتبر مهمة لعدد من الأسباب”.

إضافة إلى القطب الجنوبي، تعرض القطب الشمالي لتأثيرات هائلة نتيجة أزمة المناخ خلال العقد الماضي. وتشهد طبقات الجليد البحري تدهوراً متسارعاً بسبب ارتفاع حرارة المنطقة الشمالية بمعدل أربع مرات أسرع من المعدل العالمي.

وسجل هذا الصيف في نصف الكرة الشمالي، بين يونيو (حزيران) وأغسطس (آب)، مستويات تعتبر الأكثر حرارة في التاريخ، بل فاقت ما سجل خلال 120 ألف عام ماضية، وفق “منظمة الأرصاد العالمية”.

وعلى نحو مماثل، شهد الموسم بأكمله موجات حر شديدة وحرائق وفيضانات في آسيا وأوروبا وشمال أميركا. ومع تغيير المواسم في الوقت، فإن أميركا الجنوبية وأستراليا تعانيان بالفعل ارتفاع درجات الحرارة القياسي عقب شتاء أدفأ من المعتاد.

وأظهرت عمليات التقييم العملي المتنوعة أن التلوث الكربوني المرتبط بالنشاط البشري، وينجم عن حرق الوقود الأحفوري كالفحم والغاز والنفط، مسؤول عن درجات الحرارة الشديدة والكوارث البالغة الخطورة المرتبطة بها.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى