جردة حساب العام 2021.. لبنان يلفظ أنفاسه الأخيرة؟
ليس مستغرباً ما يعيشه اللبنانيون من مأساة كارثية في المجالات كافة، ولا يحتاج الأمر إلى خبراء متخصصين لتفسيرها وشرح تداعياتها، فالواقع المعيشي الملموس أكثر تعبيراّ عن وضع الانهيار وحجم الأزمة. ولعلّ أبرز مؤشر لهذا الانهيار الكارثي هو التدهور المتدحرج بطريقة متدرجة تصاعدية لسعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. ففي بداية العام 2021 كان سعر الصرف 8400 ليرة لكلّ دولار، فيما أغلق مع نهاية 2021 بسعر تجاوز 27 الف ليرة، أي بزيادة أكثر من 3 أضعاف.
ولبنان الدولة الوحيدة في العالم التي تتعدّد فيها أسعار الصرف مما يعني فشل السياسة النقدية والتيه والتخبط الذي يعاني منه القيّمون عليها، وفق ما يقول الباحث في الشؤون السياسية والاقتصادية الدكتور ايمن عمر الذي يلخّص لـ”النهار” أبرز مؤشرات العام 2021، ولعلّ أكثرها خطورة هو حجم الناتج المحلي الإجمالي الذي انخفض من 33 مليار دولار في العام 2020 إلى حدود 18 مليار دولار. فهذا المؤشر ترجم بالانكماش الهائل في الاقتصاد وتعطّل الماكينة الاقتصادية وضعف الأنشطة الاقتصادية الوطنية والهدر في المقدرات الذاتية، مع ارتفاع نسبة البطالة إلى أكثر من 41% بعد أن بلغت نحو 36.9% في العام 2020، وهجرة أكثر من 230 ألف لبناني خلال الأشهر الأربعة الأولى من السنة، وهو رقم صادم مخيف ويؤشر إلى فقدان لبنان أهمّ مورد من موارده وهو الرأس المال البشري. كما ارتفع معدّل التضخّم من كانون الأوّل 2020 إلى تشرين الثاني 2021 بنسبة 178%. هذا الأمر الذي انعكس على ارتفاع نسبة الفقر المادي من 55% عام 2020 حتى بلغ 74% عام 2021، وتضاعفت نسبة الفقر المتعدّد الأبعاد إلى 82%ٍ من مجموع السكان.
الى ذلك فقد تخطّى الدين العام الـ95.6 مليار دولار في العام 2020 إلى أكثر من 100 مليار دولار نهاية 2021، ليصبح ترتيب لبنان الأول عالميّاً على مستوى نسبة الدين العام إلى الناتج المحلّي بمعدل يتجاوز 555%، ليتخطى اليابان صاحبة الترتيب الأول عالميّاً بمعدل 257%. وفي ظلّ غياب أيّ رؤية واضحة لمعالجة هذه الآفة الخطيرة، يتوقع عمر أنّها ستبقى تشكّل خطراً على الأجيال القادمة وتحمّلها لعبء دين لم يكن لها يد فيه. وستصبح أيّ موارد طبيعية من غاز ونفط عرضة للسيطرة عليها هي والذهب وأصول ومؤسسات الدولة العامة من قبل الدائنين.
وانخفض احتياطي مصرف لبنان إلى حدود 13 مليار دولار وهو ما يوازي تقريباً الاحتياطي الإلزامي بعد أن تمّ استنفاذ أكثر من 9 مليار دولار خلال العام 2021 على الدعم وغيره، ودون أيّ أثر مالي يُذكر له سوى الإهدار والفساد، إذ يؤكّد عمر أننا “لم نفد من هذا الاحتياطي في استخدامه لتحقيق الاستقرار النقدي أو لتمويل مشاريع استثمارية تكسر الحلقة المفرغة التي يعاني منها الاقتصاد اللبناني، ولا بإنشاء مشاريع حيوية كمحطات لتوليد الكهرباء وتخفيف من وطأة الأزمة جرّائها”.
وبعد أن تمّ رفع الدعم نهائياً عن المحروقات، ارتفعت أسعار المحروقات كالآتي: البنزين 95 أوكتان من 25900 في بداية العام 2020 إلى 335800 أي نحو 13 ضعفاً، والمازوت من 18100 إلى 336200 نحو 18.5 ضعفاً، والغاز 10 كغ من 23000 إلى 298600 حوالى 13 ضعفاً. بما سبّب إرهاقاً كبيراً للمواطنين، وأثّرت على مداخيلهم بحيث استنزفت كامل رواتبهم للمحروقات ولاشتراك مولدات الكهرباء.
يبدو أنّ غياب الموازنات العامة أصبحت هي القاعدة في المالية العامة اللبنانية والسير بقاعدة الإثني عشرية هي القاعدة العامة في عمليات الإنفاق العام، وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدلّ على غياب الانتظام العام والخلل البنيوي في المالية العامة وغياب تام للسلطة المالية المركزية مما يفتح المجال أمام مزيد من النهب والإهدار.
ومع أنّه كان من أوائل المستبشرين والمتفائلين بولادة الحكومة على أمل أن تحدث هذه الدفعة القوية للاقتصاد وتكسر الحلقة المفرغة في مسار الأزمة، بيد انّها برأي عمر زادت في أجندة الأزمة أزمات بل تصبح هي عنواناً للأزمة، وينطبق عليها المثل الشعبي: “جبنا الأقرع ليونّسنا كشّف عن قرعته وفزّعنا”.
وإذا كان ثمة اجماع على أنّ سنة 2021 هي واحدة من أسوأ السنوات التي مرت على لبنان اقتصادياً، فإنّ التخوّف من ان تكون سنة 2022 أسوأ على اللبنانيين، خصوصاً اذا راوحت الازمة مكانها من دون أي حلول عملية وخصوصا حيال التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وعدم ضبط السوق الصرف الموازية بما سيؤدّي حتماً الى ارتفاع اضافي لسعر الدولار من دون أي سقف، وإن كان ثمة بعض الحلول النقديَّة الموضعيَّة. ودعا للإسراع في وضع حلول مما قد يُساهم في تهدئة الأسواق والذهاب نحو خطة اقتصادية شاملة تنقذ البلد.
فجميع المؤشرات الحالية وتوقعاتها المستقبلية لا تبشّر بخير، برأي عمر و”يبدو أننا مقبلون على تسارع للانهيار في ظلّ غياب أيّ معالجات حقيقية للأزمات. فلبنان اليوم يعاني من سكرات الموت البطيء وهو في غرفة الإنعاش مع كميات قليلة من الأوكسجين لإبقائه على قيد الحياة. ولكن ما إن يُنزع منه هذا التنفس الاصطناعي ستعلن وفاته في الحال، وعندها ولادة جمهورية جديدة والتي لا تأتي عادة إلّا عبر الدماء”.