جامع الأندلس في المغرب… تراث معماري يزداد بهاء في رمضان
الكل يعرف «فاطمة الفهرية»، التي كانت وراء تأسيس «جامع القرويين» في المغرب، وهو أول جامعة في العالم حسب موسوعة غينيس، ولكن ربما القليل من يعرف أختها «مريم»، التي شيدت في نفس الفترة جامع الأندلس.
جامع الأندلس يقف شامخا في المدينة العتيقة لفاس، التي تشع كل جنباتها تاريخا وتراثا ومعمارا، ليجمع بين أصالة القيروان وجمال الأندلس وروح المغرب.
ويزداد هذا المسجد بهاء بحلول رمضان، حيث يحج إليه الناس من كل حدب وصوب.
الأختان فاطمة ومريم
بداية الحكاية، كانت بعد هجرة محمد بن عبد الله الفهري (والد فاطمة ومريم) من القيروان إلى مدينة فاس، التي كانت تستقبل القادمين من القيروان ومن الأندلس أيضا.
استقرت أسرة الفهري بحي القيروان، فالمولى إدريس الثاني (ابن مؤسس الدولة الإدريسية في المغرب)، الذي كان وراء تشييد مدينة فاس، أطلق على الحي الأول عدوة (حي) الأندلس (كان مخصصا للوافدين من الأندلس).
بينما أطلق على الحي الثاني عدوة (حي) القرويين (مخصص للوافدين من القيروان)، لتشكل فسيفساء متناسقة من الأفراد والجماعات.
دارت الأيام، وتوفي الوالد وترك لابنتيه مالا وفيرا لتخصصاه لبناء جامع القرويين (جامع وجامعة في الوقت نفسه) وجامع الأندلس بسبب حاجة الأفراد لذلك آنذاك، ففاطمة ومريم كانتا قريبتين من انشغالات المواطنين.
وكان لبناء جامع الأندلس علامة فارقة في تاريخ مريم الفهري، إذ ينم تشييده عن عمقها وقوة شخصيتها. بعد مضي عدة قرون على بناء مسجد الأندلس الذي شيد عام 859 م، لا يزال يتحدى تقلبات المناخ.
أمام مدخل الجامع، تقف الأبصار شاخصة أمام عمرانه المتناسق، تناسق دروب وأزقة مدينة فاس، وكأنه قلب المدينة العتيقة.
ويشير أحمد الغزالي خطيب جامع الأندلس، إلى أنه يعمل إماما للمسجد منذ 2006، وهو ما جعله يرتبط كثيرا به حتى أمسى جزءا منه ينتظر كل جمعة حتى يعتلي المنبر، ويحرص على ألا تفوته أي خطبة ولو كان مريضا أو على سفر، فإنه يرجع إلى الجامع. ويقول: «كل من زار جامع الاندلس ارتاح به وجدانيا، ووجد راحته في الجلوس بين أسواره».
وعن الشهرة التي كانت لجامع القرويين مقارنة بالأندلس، يوضح الغزالي أن «الأسبقية الزمنية في التدريس كانت في جامع القرويين، والذي تحول فيما بعد إلى جامعة، في حين أن الأندلس ورغم أنه كان يعرف حلقات العلم في أوقات ماضية، إلا أنه بقي وفيا للصلوات وتلاوة القرآن».
ويعتبر أن «خصوصية الأندلس أيضا يبرزها اعتكاف أهل العلم، أي عندما ينتهون من طلب العلم يقصدون الجامع للاعتكاف والخلوة».
ومرّ علماء كثيرون من هذا الجامع مثل ابن النحوي (فقيه وشاعر)، وفق الغزالي.
وأردف الغزالي: «لما سمع المسلمون في العالم بأن خليفة صالح من آل البيت (المولى إدريس الثاني) يبر بالأفراد ويعدل بينهم ويقيم السنة، بدأ الناس يتوافدون على الجامع طلبا للأمن والاستقرار».
وأضاف: «لتحقيق الانسجام بين أفراد المجتمع، خص إدريس الثاني هذه المنطقة (الأندلس) للأندلسيين والأخرى (القيروان) للقرويين». ومن القرويين الذين وفدوا محمد بن عبد الله الفهري والد فاطمة ومريم، وعاشوا في أمن واستقرار، فلما توفي والدهما سمعتا أن الناس في حاجة لمسجد أكبر، حسب الغزالي. وأوضح إمام المسجد أن «قصص التاريخ تحكي أن مريم كانت تقضي ساعات طويلة وتسهر على إكمال البناء».
وتابع أن الجامع عرف توسيعات في عهد الأدارسة والموحدين (الدولة الموحدية) والمرينيين (الدولة المرينية).
وحسبه، أجريت عمليات ترميم للجامع مرتين مؤخرا، في عهد العاهل المغربي محمد السادس.
مال وعلم
جامعة القرويين وجامع الأندلس كانا بيتين لعدد من المؤرخين والمفكرين والفلاسفة والأطباء والخبراء والباحثين والعلماء والفقهاء، لائحة لا حصر لها، ولكنهم تعرفوا على الجامعة، ونهلوا من علمها وارتفعوا في معراج العلم درجات وصلت عنان السماء.
من القيروان إلى فاس، حينما يلتقي المال والعلم يمكن أن ينتج فكرا وعمرانا يبقى خالدا، وهو ما قامت به الأختان فاطمة ومريم.
وخلال رمضان، يمتلئ الجامع بالمصلين، سواء خلال أوقات الفريضة، أو في صلاة التراويح؛ لقربه من السكان والتجار وزائري المدينة العتيقة في فاس.