رأي

جائزة نوبل.. والمرأة العاملة.

كتب د. خالد رمضان في صحيفة الرياض.

كان هذا الأسبوع استثنائياً بامتياز للنساء العاملات حول العالم، فقد توجت الباحثة الأميركية كلوديا جولدين (77 عامًا) بجائزة نوبل في الاقتصاد لجهودها الكبيرة في تعزيز فهم مكانة المرأة في سوق العمل، وهي ثالث امرأة تفوز بهذه الجائزة المرموقة منذ إطلاقها لأول مرة عام 1969، وأول امرأة أيضاً يتم تكريمها منفردة بدلاً من المشاركة في الجائزة، والواقع، أن البروفيسورة كلوديا معروفة على نطاق واسع في هذا المجال البحثي، فقد كانت أول امرأة يعرض عليها منصب في قسم الاقتصاد بجامعة هارفارد عام 1989، وقد تناول عملها الأكاديمي الواسع طوال عقود توضيحاً مضنياً لأسباب فجوة الأجور بين الجنسين، وتطورها، وتطرقت لكيفية مشاركة المرأة في سوق العمل على مدى المئتي سنة الماضية، وانعكاساتها على مستقبل القوى العاملة.

ركزت أبحاث كلوديا على المرأة العاملة بكثافة، والتي أظهرت أن التوظيف بين النساء المتزوجات انخفض في القرن التاسع عشر، مع ابتعاد الاقتصاد عن الزراعة واقترابه من الصناعة، ثم ازدادت مشاركة المرأة في سوق العمل خلال القرن العشرين، عندما بدأ قطاع الخدمات في التوسع، ووصفت فترة السبعينيات على وجه الخصوص بأنها فترة ثورية، حيث بدأت فيها النساء يتزوجن في وقت متأخر، ويتخذن خطوات كبيرة في التعليم العالي، ويحققن تقدمًا كبيرًا في سوق العمل، وتكوين هويات اقتصادية خارج المنزل، وبدأن في تحقيق الاستقلال المالي، وهى ترى أن عملية سد فجوة الأجور بين الجنسين كانت متفاوتة على مدار التاريخ، وعلى سبيل المثال، تحصل النساء اليوم في الولايات المتحدة على 80 سنتًا مقابل كل دولار يكسبه الرجل.

في الماضي، كان من الممكن تفسير فجوات الأجور بين الجنسين من خلال التعليم والمهنة، لكن الفائزة بجائزة نوبل في الاقتصاد تكشف من خلال أبحاثها أن معظم الفرق في الدخل بين الرجال والنساء يتمركز في نفس الوظائف، وهذه الفجوة تبدأ في الزيادة التدريجية بعد ولادة المرأة لطفلها الأول، وهذه القناعة جاءت بعد دراسة بحثية أجرتها كلوديا لمدة 15 عاماً بمساعدة طلاب من كلية إدارة الأعمال في جامعة شيكاغو، ووجدت أن فجوة الأجور بدأت تتسع بعد عام أو عامين من ولادة المرأة لطفلها الأول، وكان لهذه الاكتشافات آثار مجتمعية واسعة النطاق في كثير من المجتمعات المناصرة لعمل المرأة.

كلوديا التي غالبًا ما تشارك زوجها لورانس كاتز في تأليف الأبحاث، وهو زميل اقتصادي لها بجامعة هارفارد، حصلت على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة شيكاغو، وتعتقد أن فوزها كامرأة بجائزة الاقتصاد بمفردها ودون مشاركة من أحد، يمثل تتويجاً لسنوات من العطاء والتغييرات المهمة في سوق العمل بين الجنسين، وبالرغم من أن سنها قارب على الثمانين، إلا أن كلوديا لا تزال مستمرة في أبحاثها الدؤوبة حول وضع النساء في سوق العمل، وقد أصدرت للتو ورقة بحثية جديدة حول السبب الذي جعل النساء يحققن مثل هذا التقدم الكبير في فترة السبعينيات الميلادية، ولماذا واجه هذا التقدم عراقيل في السنوات التي أعقبت ذلك التقدم.

الأهم، أن كلوديا كانت دوماً صديقة للمرأة العاملة، وقد تمتعت، قبل فوزها بجائزة نوبل، بحس إنساني عالي، مكنها من التواصل مع المرأة العاملة في كثير من القطاعات الإنتاجية، حتى أنها باتت مرشدة مهمة للعديد من النساء اللاتي يدخلن إلى سوق العمل، أو يردن العمل في مجال البيزنس، وكانت مصدر إلهام للعديد من النساء في مجال الاقتصاد، وشاركت تجاربها معهم بسخاء، وأظهرت إمكانية نجاح المرأة في عالم يهيمن عليه الذكور في الغالب، ولهذا، فإن عملها البحثي طوال العقود الماضية كان له تأثير عميق على اقتصاديات العمل بشكل عام، وليس فقط على المرأة العاملة، وهناك الكثير من الموضوعات التي يمكن للخبراء والمؤرخين الاقتصاديين، مراجعتها من خلال متابعة الأعمال البحثية للدكتورة كلوديا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى