ثياب العيد بعيداً عن متناول اللبناني… “ما بدملك إلّا قديمك”!
لا حركة ولا بركة في الأسواق هذا الميلاد! فالدولار المتراقص على خشبة السوق السوداء لم يترك ملّيماً واحداً في جيب المواطن الذي متى دخل متجراً، سرعان ما تحوّل الى آلة حاسبة بما أن البضاعة مسعّرة بالدولار المتحرّك، وإذا ما صادفت وسُعّرت بالليرة اللبنانية “فَونَسَ” الزبون من كثرة الأصفار.
من أهمّ طقوس الاحتفال بالعيد لدى الأطفال هي الثياب الجديدة التي تقضي الأمّهات أياماً وأسابيع تجهّزها من البابوج للطربوش كي يظهر الأولاد بأبهى حلّة في يوم العيد. لكن هذا العام تبدّلت أولويات الإنفاق لدى معظم الأسر التي تعتمد نظام تقشف قاس ألغى من الحساب مظاهر الاحتفالات بالأعياد.
حتى الآن تتريث جمعيات التجار في المناطق بتحديد أرقام واضحة لكنها تجمع على أن الأسواق ليست بخير، ويقول صاحب محل لملابس الأولاد إن قلّة قليلة من الزبائن تسأل عن ثياب عيد بمعنى البدلة الكاملة فيما الطلب أكثر على قطع “فرداوي” أي كنزة أو بنطال أو تنورة لأن الناس تعبانة مؤكداً ان التراجع عن السنوات السابقة واضح ويقارب السبعين بالمئة.
في جولة على متاجر ألبسة الأولاد، الأسعار حقاً صادمة بالمقارنة مع الرواتب المتهاوية والقدرة الشرائية المتدهورة لدى اللبنانيين، فالتسعيرات كلّها بالدولار وتراوح سعر الكنزة مثلاً ما بين 15 و24 دولاراً، البنطال ما بين 20 و30 دولاراً، التنورة لا تقل عن 20 دولاراً وما فوق، والفساتين فاقت الـ35 دولاراً فيما لا معاطف للأطفال بأقلّ من اربعين دولاراً. ناهيك عن الأحذية الشتوية التي لا تقلّ أسعارها عن 23 دولاراً وما فوق.
عليه وفي عملية حسابية سريعة يتبيّن أن كلفة إلباس ولد واحد تقارب المئة دولار بالحدّ الأدنى أي ما يزيد عن مليونين و500 ألف ليرة لبنانية! كلفةٌ باهظة جداً وتفوق الميزانية المرصودة لدى أكثرية العائلات، فلنتّجه الى متاجر الـ”أون لاين” حيث التشكيلة واسعة وأوفر بنزيناً. الأسعار هنا تقدّر بنحو 25 دولاراً على الأقل للفساتين، الكنزة ما بين 12 و28 دولاراً، البنطال لا يقلّ سعره عن 15$ وما فوق، والتنورة تتراوح ما بين 13 و17دولاراً. أما الجاكيت فتتجاوز أسعارها الثلاثين دولاراً. ما يعني أن إجمالي كلفة الملابس “أون لاين” تقدّر بخمسة وخمسين دولاراً على الأقل للولد الواحد، تُضاف اليها كلفة الحذاء التي لا تقلّ عن 15 دولاراً. ليصبح المجموع سبعين دولاراً كحدّ أدنى، أي باللبناني مليون ونصف المليون!
هذه كلفة إلباس ولد واحد فما هي حال العائلات التي تضمّ ولدين أو ثلاثة أو أربعة وأكثر؟
صحيح ان التسوّق أون لاين بات أوفر من المتاجر لكن مع ذلك تبقى الأرقام خيالية، فأي بدائل أمام الأمّهات لعدم إفساد فرحة بالعيد؟
تحاول رندة جاهدةً أن توفّق ما بين ميزانية العائلة المتواضعة ومتطلبات طفليها في الأعياد المجيدة. الخطوة الأولى كانت نبش الخزانة وانتقاء ملابس تتناسب مع العيد، بعدها قصدت السوق واشترت بعض الأكسسوارات للقيام بإضافات على الملابس القديمة بغية تجديد رونقها “لا أريد أن أرى الحزن في عيون أطفالي لذلك سأجدّد الثياب القديمة بطريقتي الخاصّة.. لأن العيد بالنسبة للأولاد هو ملابس جديدة وليس فقط ألعاباً”.
فيما فضّلت جومانا وهي أمّ لثلاثة أولاد، اعتماد تقنية “التطنيش” فتجاهلت موضوع الملابس ريثما يسأل أولادها عن الموضوع، لتشرح لهم الواقع المادي الصعب الذي يمرّون به كعائلة، وتقول “جمعت صوراً من الانترنت لثياب وفساتين مع أسعارها الباهظة كي أطلعهم عليها علّ ذلك يساعد في إقناعهم من دون ان يحزنوا” وهي تتوقّع ان يتقبّلوا الموضوع نظراً الى أعمارهم التي تزيد عن تسع سنوات.
خيارٌ مختلف اتجّهت اليه كريستال وهي أمّ لأربعة أولاد تتراوح أعمارهم من سنتين الى اثني عشر عاماً، هو شراء الملابس المستعملة حيث الأسعار عالـ1500 ليرة، انتقت ثياباً لا تزال بحالة جيدة ونظيفة وقدّمتها لأولادها على أنها جديدة. وتقول “أقوم بعملية غشّ أو كذبة بيضاء كي لا أكسر قلوبهم في العيد والمهمّ أن أرى ضحكتهم وفرحتهم في الميلاد.. بالية أو جديد مش مهمّ، المهم أولادي مرتّبين ومبسوطين بالعيد”.
للأسف، عامٌ بعد عام تفقد الأعياد والاحتفالات وهجها في لبنان حيث كان شهر كانون الاوّل شهر التسوّق تعجّ فيه الأسواق بالناس، وأغاني عيد الميلاد تصدح من داخل المتاجر التي يقف على بابها بابا نويل لاستقبال الزبائن وتوزيع السكاكر على المارّة والأولاد.. هذه المظاهر الاحتفالية تغيب هذا العام بشكل كامل وواضح فللأسف بات العيد عبئاً على اللبنانيين المثقلة جيوبهم بمصاريف تفوق مداخيلهم ومدّخراتهم اليومية.