ثلاثة محاور على جدول الأعمال الأميركي | واشنطن لطهران: الاستسلام… ثم التطبيع

كتب محمد خواجوئي, في الاخبار:
تكشّف السعي الأميركي لفرض استسلام سياسي على طهران عبر ثلاثة محاور تفاوضية: النووي، الصاروخي، والتطبيع مع إسرائيل.
أسفرت تطوّرات الأشهر القليلة الماضية، التي أعقبت حرب الـ12 يوماً الإسرائيلية – الأميركية على إيران، وعودة العقوبات الأممية على هذه الأخيرة إثر تفعيل «آلية الزناد» في أيلول الماضي، عن تعميق الفجوة بين طهران وواشنطن، ورسمت أفقاً قاتماً لمستقبل اتفاق متوازن بين الطرفين. ورغم أن تبادل الرسائل بينهما، عبر أطراف وسيطة، لا يزال مستمرّاً، يسود تشاؤم مفرط، مؤسّسات صنع القرار الإيرانية، إزاء العملية الديبلوماسية، في ظلّ ما يبدو أنه سعي غربيّ إلى دفع إيران نحو «الاستسلام»، والحصول منها على تنازلات الحدّ الأقصى.
وترى القيادة الإيرانية، وعلى رأسها المرشد الأعلى علي الخامنئي، أن حظوظ التوصّل إلى اتفاق يكفل مصالح البلاد، متدنية جداً في الظروف الراهنة؛ ذلك أن التنازل في المجال النووي، من شأنه أن يحمل الغرب على إثارة مطالب جديدة، وطلب مزيد من التنازلات، وهو ما يمكن أن يدفع، في خاتمة المطاف، نحو سقوط النظام نفسه. وفي ضوء هذه الرؤية، تعتمد طهران إستراتيجية التشدّد في منح التنازلات الكبرى للغرب في الدرجة الأولى، والتحرّك في اتجاه المزيد من التقارب مع روسيا والصين في الدرجة الثانية، إلى جانب إعادة تأهيل قدراتها الدفاعية والأمنية لتفادي فرض حرب جديدة على البلاد في الدرجة الثالثة.
وأظهرت التصريحات التي أدلى بها الخامنئي، قبل أيام، شكلاً من أشكال إعادة إحياء الاعتداد بالذات لدى إيران، ما بعد الحرب الأخيرة؛ إذ لفت المرشد إلى أن القوات المسلّحة الإيرانية لا تزال تمتلك الصواريخ، «وإنْ تطلّب الأمر، ستستخدمها في وقت آخر»، مضيفاً أن إسرائيل لم تكن تتوقّع أن تصيب الصواريخ الإيرانية، «أعماق مواقعها الحسّاسة والمهمة، وتدمّرها وتحوّلها إلى رماد».
وفي حين توجّه إلى الإدارة الأميركية، بالقول: «لا شأن لكم» بالصناعة النووية الإيرانية، فهو علّق على إبداء الرئيس الأميركي رغبة في التوصّل إلى اتفاق مع إيران حول برنامجها النووي، بالقول إن «دونالد ترامب يقول: أنا أعقد الصفقات. لكن إذا ترافقت الصفقة مع الغطرسة، وكانت نتيجتها معلومة من قبل، فهي ليست بصفقة، بل إملاءات واستئساد، والشعب الإيراني لن يرضخ للإملاءات».
خطت القاهرة خطوة أخرى لافتة في مجال الملفّ النووي الإيراني، في مسعى إلى تعزيز دورها الوسيط
ومع عودة العقوبات الأممية على إيران، جرى تبادل للرسائل بين طهران وواشنطن، وفقاً لما أفاد به مصدر ديبلوماسي مطّلع، «الأخبار». وحول فحوى الرسالة الأميركية إلى إيران، قال المصدر إن «الأميركيين يدعون إلى عقد جولة جديدة من المحادثات مع طهران، لكنهم قالوا إنه يجب وضع جدول أعمال جديد للمحادثات يشمل بالتزامن ثلاثة محاور، هي: البرنامج النووي، والبرنامج الصاروخي، وتطبيع العلاقات بين إيران وإسرائيل».
وأضاف المصدر: «في ما يخصّ البرنامج النووي، فإن المبادرات التي اعتُمدت في السابق، بما فيها تعليق التخصيب أو إبرام اتفاق مؤقت، لم تَعُد مطروحة»، لافتاً إلى أن «أميركا، وبعد هجومها على المنشآت النووية الإيرانية، باتت تعتبر مشروع تخصيب اليورانيوم في إيران بحكم المنتهي، والمسألة الوحيدة التي يجب تسويتها، من وجهة نظرها، هي تسليم طهران لليوارنيوم المخصّب وعودة المفتشين الدوليين».
وفيما لم يوضح المصدر طبيعة الردّ الإيراني على الرسالة الأميركية، أكد وزير الخارجية، عباس عراقجي، في حوار مع التلفزيون الإيراني (11 تشرين الأول)، أن تبادل الرسائل مع الأميركيين مستمرّ عبر الوسطاء، وأنه في حال «تلقّينا اقتراحاً منصفاً ومتوازناً» من جانب واشنطن، فإن طهران ستدرسه، مع تشديده على أن بلاده ليست مستعدّة للتخلي عن حقّها في تخصيب اليورانيوم.
وفي الموازاة، خطت القاهرة خطوة أخرى لافتة في مجال الملفّ النووي الإيراني، وذلك في مسعى إلى تعزيز دورها الوسيط؛ إذ أجرى وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، اتصالات هاتفية منفصلة، يومَي الـ18 والـ19 من الجاري، مع كل من نظيره الإيراني، والمدير العام لـ«الوكالة الدولية للطاقة الذرية» رافاييل غروسي، والمبعوث الخاص للرئيس الأميركي ستيف ويتكوف، لمناقشة سبل استئناف المفاوضات بين إيران وأميركا.
وتهدف مصر، وفقاً لما أكدت، إلى «إيجاد الظروف اللازمة لاستئناف الحوار الشامل بين طهران وواشنطن»، و«خفض التصعيد الإقليمي» و«تعزيز الثقة المتبادلة». ويعكس ما تقدّم جهود القاهرة للعب دور وسيط يُعتدّ به على الصعيد الإقليمي، علماً أنها استضافت ورعت، في أيلول الماضي، الاتفاق بين إيران و«الوكالة الدولية»، وإنْ كان الأخير فقد مفعوله بعد تفعيل «آلية الزناد».
وردّاً عن سؤال حول استئناف الحوار مع واشنطن، وعمّا إذا كانت مصر ستكون الوسيط الجديد بين البلدين، قال الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، إن «الاتصالات بيننا وبين الأطراف الأخرى مستمرة بشكل ما عبر وسيط، لكن هذا لا يعني خوض مرحلة المفاوضات. فالمفاوضات تتبلور عندما تتوصّل الأطراف إلى أنه يجب أن يحترم كلّ منها مواقف الآخر وحقوقه».