ثلاثة خلاصات من مجزرة نابلس

كتب الصحافي عمرو علان في “الميادين نت”:
هناك رأيٌ يقول إنَّ المنطقة تجاوزت مرحلة الحروب الصغيرة أو معارك ما بين الحروب، فهل يقوم الكيان المؤقت بعملٍ غير محسوبٍ يشعل حرباً إقليميةً تستعجل القضاء عليه؟
ارتكب الاحتلال يوم الأربعاء (22 شباط/فبراير الجاري) مجزرةً جديدةً في بلدة نابلس القديمة، سقط ضحيتها 11 شهيداً وعشرات الجرحى، مع احتمال ارتفاع عدد الشهداء في الساعات المقبلة، إذ وصفت الدوائر الطبية جروح بعض المصابين بالخطرة. وكانت غالبية الضحايا من المدنيين؛ بعضهم استُشهد برصاص “جيش” الاحتلال، وآخرون قضوا اختناقاً نتيجة غزارة قنابل الغازات المسيلة للدموع.
وقد جاءت هذه المجزرة الجديدة لتعيد التأكيد على عدة أمور:
أولاً، إنَّ السّلطة الفلسطينية مستمرةٌ في تقديم العون والتنازلات للاحتلال من دون أيِّ مقابلٍ، إذ كانت قد تراجعت قبل 48 ساعةً فقط من مجزرة نابلس عن دعوة مجلس الأمن الدولي إلى التصويت على مشروع قرارٍ يطالب الكيان بوقفٍ فوريٍ وكاملٍ لجميع المشاريع الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك في أعقاب تقارير إعلاميةٍ إسرائيلية عن التوصل إلى “تفاهماتٍ إسرائيليةٍ فلسطينيةٍ” بوساطةٍ أميركيةٍ، تتعهد بموجبها الإدارة الأميركية الضغط على الكيان من أجل الحد من عمليات اقتحام الضفة وتوسيع الاستيطان.
وسواء جاء تراجع السلطة الفلسطينية عن تقديم مشروع القرار لمجلس الأمن الدولي بناءً على تفاهمٍ أم من دونه، فما جرى يدلل مجدداً على تقديمها جوائز ترضيةٍ للاحتلال من دون الاكتراث بأيِّ مصلحةٍ للشعب الفلسطيني، فالاحتلال مستمرٌ باقتحام الضفَّة وارتكاب المجازر وتوسيع الاستيطان، كما صرَّح وزراء حكومته.
وكانت التقارير الإعلامية أشارت أيضاً إلى قبول السلطة الفلسطينية بخطةٍ أمنيةٍ اقترحها الأميركي، بهدف القضاء على الحراك المقاوم المستجد في الضفَّة ومجموعات المقاومة في نابلس ومخيَّم جنين، فهل كانت مجزرة نابلس نتاج تلك الخطة أو نتاج التنسيق الأمني “المقدَّس”؟ وهل لا يزال يصحّ بعد هذا كلّه وصف سلطة رام الله بالفلسطينية؟
ثانياً، أظهرت الغالبية العظمى من أفراد الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة بصورةٍ فاقعةٍ – وبكلِّ أسفٍ – افتقادها أيِّ حسٍ وطنيٍ يذكر، بل تجرُّدها من أدنى صفات النخوة والرجولة الطبيعية، فهل يُعقل أن يصل تعداد الأفراد المنتسبين إلى تلك الأجهزة الأمنية، ممن يحملون السلاح، إلى عشرات الآلاف، وأن لا يتجرأ أيٌ منهم على إطلاق رصاصةٍ واحدةٍ يتيمةٍ للدفاع عن أهلهم في نابلس؟
وحتى لو قلنا إنَّهم يعدون المقاومين “مخرِّبين” و”إرهابيين” بحسب التوصيف الصهيوني، ألا يستحق المدنيون الفلسطينيون في نظرهم الحماية؟ لقد بات من الواضح للناظرين، بما لا يدع مجالاً للشك، أنَّ وظيفة تلك الأجهزة الأمنية تكمن في حماية المستوطنين وحراسة أمن المستوطنات، وأن تأمين الحماية لجمهور الشعب الفلسطيني لا يدخل ضمن مهامهم، سواء كان ذاك الفلسطيني طفلاً أم امرأةً أم شيخاً.
ثالثاً، لوحظت في الآونة الأخيرة زيادةٌ في أعمال الكيان المؤقت العدائية كمّاً ونوعاً، فقد استهدف العدو قاعدة أصفهان الجوية في وسط الجمهورية الإسلامية، وشنَّ غارةً جويةً على سوريا تجاوز فيها خطوطاً حمراً، إذ سقط في الغارة شهداء مدنيون سوريون، وارتكب مجزرتين في الضفَّة، إحداها في مخيَّم جنين، تلتها مجزرة نابلس.
لذلك، يبدو أن حكومة الاحتلال الحالية ترى أن أعداءها الإقليميين غير جاهزين للحرب في هذه المرحلة، وهو ما من شأنه دفعها إلى المزيد من الخطوات العسكرية، ابتغاء تحقيق مكاسب ميدانية أو تعديل موازين القوة على الأرض.
ينسجم هذا مع أمرين؛ الأول أن حكومة الاحتلال الحالية يسيطر عليها اليمين الصهيوني الأكثر تطرفاً ورعونةً، فمشروع هذه الحكومة يتمثل بفرض السيطرة على المسجد الأقصى، وضم مستوطنات الضفَّة، وتهجير ما استطاعت من سكان الضفَّة والقدس والفلسطينيين في فلسطين 1948.
أما الأمر الثاني، فرغم عدم رغبة الأميركي في زيادة حدة الصراع في منطقتنا، فإن لدى حكومة الاحتلال الحالية، كما يبدو، رؤيةٌ تجد في انشغال الأميركي بحروبه الدولية فرصةً مواتيةً لتحقيق مكاسب ضد أعدائها الإقليميين. لذلك، يبدو أن الإقليم يتجه إلى المزيد من التوتر، في حال عدم تلقي العدو رداً ميدانياً رادعاً يعيد التوازن ورسم قواعد الاشتباك.
في الوقت ذاته، هناك رأيٌ يقول إنَّ المنطقة تجاوزت مرحلة الحروب الصغيرة أو معارك ما بين الحروب، فهل يقوم الكيان المؤقت بعملٍ غير محسوبٍ يشعل حرباً إقليميةً تستعجل القضاء عليه؟ وإذا ما كان يرى في المرحلة الحالية فرصةً مواتيةً لتحقيق المكاسب، فهل تجد قوى المقاومة في المقابل أنَّ الوقت حان لاقتلاع هذه الغدَّة السرطانية من جسد الأمة؟
إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرا