ثروات مصرية مقابل الديون… مبادلة الودائع السعودية والصينية بأصول
كشفت زيارة وفد اقتصادي مصري قاده مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء، إلى العاصمة السعودية الرياض، بداية الأسبوع الجاري، للتفاوض حول تحويل ودائع سعودية بقيمة 5.3 مليارات دولار مستحقة على مصر مقابل شراء أراضٍ وأصول عامة، عن تفاقم أزمة الديون الخارجية، مع وجود مستحقات فوائد وأقساط واجبة السداد بقيمة 11 مليار دولار، خلال شهر نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، بالإضافة إلى ضغوط يمارسها صندوق النقد الدولي، لدفع الحكومة إلى الإسراع ببرنامج الطروحات العامة، قبل بدء المراجعة الرابعة لأداء الاقتصاد المقررة بداية أكتوبر المقبل.
وأعلنت الحكومة المصرية عزم السعودية ضخ استثمارات بقيمة 5 مليارات دولار، في ختام زيارة مدبولي، إلى الرياض، وعقده سلسلة لقاءات مع ولي العهد الأمير محمد بن سلمان ومسؤولين سعوديين، الاثنين الماضي.
وقدمت الحكومة المصرية إغراءات للجانب السعودية، تشمل التنازل عن أراض وشركات بصناعات استراتيجية وحل فوري لأزمات مزمنة عالقة مع المستثمرين السعوديين، مقابل التخلي عن الوديعة الدولارية، بالتوازي مع إجراءات مفاوضات مع ألمانيا تسمح لها ببيع أصول أو جزء من محطات كهرباء أقامتها شركة سيمنز الألمانية، بقيمة 14.5 مليار دولار، للقطاع الخاص، دون الحاجة إلى إعادة التفاوض حول شروط القروض التي حصلت عليها مصر من حكومة ألمانيا، تتميز بدعم الفائدة والدفع على أقساط طويلة، تصل إلى 15 عاما.
مشاورات مع الصين
أكدت مصادر لـ”العربي الجديد” إجراء مدبولي مشاورات مع الحكومة الصينية خلال وجوده بمنتدي التعاون الصيني الأفريقي التاسع الذي عقد في “بيجين” الأسبوع الماضي، تحويل قيمة وديعة تبلغ 18 مليار يوان، تعادل 3.2 مليارات دولار إلى استثمارات صينية، مقابل تمليك الشركات الصينية الحكومية المنفذة للبرج الأيقوني بالعاصمة الإدارية، وأبراج العلمين بالساحل الشمالي، بالإضافة إلى الحصول على قرض عاجل من صندوق التنمية الصيني، بقيمة مليار دولار، لدعم الاحتياطي النقدي.
أوضحت المصادر سعي الحكومة لتأجيل سداد أقساط مستحقات شركات البترول التي تبلغ نحو 3.2 مليارات دولار، لما بعد نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، مقابل التزام وزارة البترول السماح للشركات المستحقة للأقساط ضمان وزيادة حصتها من كميات إنتاج الغاز، خلال فصل الشتاء، بما يوفر للشركات العملة الصعبة، وإزالة الضغوط على الاحتياطي النقدي من البنك المركزي.
إنهاء مشاكل المستثمرين
من جانب ثان، جاءت الموافقة الأولية للسعودية على تحويل الودائع إلى استثمارات، خلال زيارة وفد اقتصادي مصري للرياض مطلع الأسبوع، قاده رئيس الوزراء، ووزير المالية، أحمد كوجك، ووزير الاستثمار، حسن الخطيب، بعد عامين من المفاوضات مع الجانب السعودي بموافقة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، على ضخ قيمة الودائع في استثمارات مملوكة للدولة، أكدت مصادر أنها ستركز على تخصيص أراض زراعية وللبناء العقاري، ومشروعات سكنية وفندقية، وأسهم بشركات بتروكيماويات.
واشترط الجانب السعودي أن تسرع الحكومة المصرية في إنهاء المشاكل التي يتعرض لها المستثمرون السعوديون والمستمرة منذ سنوات، والتي أدت إلى نزاعات قضائية بين الجهات الرسمية والشركات السعودية بعدد 14 حالة تتداول في الدوائر القضائية، ما دفع مدبولي إلى مطالبه الوزارات المعنية بإنهائها، دون انتظار للفصل في النزاعات بالطرق القضائية، مع دعوة مجلس الأعمال المصري السعودي إلى الانعقاد خلال شهر أكتوبر المقبل، لإعادة تشكيله ومراجعة المشاكل العالقة التي عدها الطرف السعودي بنحو 90 مشكلة تحتاج إلى حسم فوري، بعضها مرتبط باسترداد الحكومة لعدد من الأراضي المخصصة لشركات عقارية سعودية لإقامة منتجعات سياحية، ولم تلتزم بجداول التنفيذ.
وأخرى تتعلق بشكوى المستثمرين من عدم القدرة على إعادة رأس المال المستثمر بمصر بالعملة الصعبة، وتذبذب سعر الجنيه، بما يفقد رجال الأعمال قيمة الأصول المستثمرة، مع تراجع حاد بالأرباح، في كل مرة يتعرض الجنيه للتعويم، وفقا لتصريحات رجال أعمال بالمجلس المصري السعودي.
بيع أصول مقابل الديون
وصف الخبير الاقتصادي عبد النبي عبد المطلب، صفقة تحويل الودائع السعودية إلى استثمارات في الشركات العامة، بأنها عملية بيع أصول مقابل الديون، منوها إلى مبادلة الديون باستثمارات، فكرة اقتصادية، تستهدف تنمية الاستثمارات بين البلدين أما ما تقوم به الحكومة من مبادلة الدين بأصول عامة، فلا دخل له بالاستثمار المباشر على الإطلاق.
يؤكد الخبير الاقتصادي لـ”العربي الجديد” أن هذه الطريقة تجري فوق عقود تنازل عن الملكية للأصول التي لا يمكن للدولة أن تتحكم في طريقة استخدامها أو تجبر مالكها على الالتزام بخطط استثمارية محددة، حيث يحق له حرية التصرف في الأصل، وكأنه حكم تغريم للمدين، وليس مبادلة للاستثمار.
يستشهد عبد المطلب بما أجرته الحكومة في صفقة بيع رأس الحكمة، حيث منحت صندوق الاستثمار الإماراتي ملكية الأرض، دون أن تكون لديها خطة استثمار محدد تضمن قدرة المشروع على توليد دخل بالدولار، يحقق التنمية المستدامة، مبينا أن المالك يحق له استخدام الأرض كما يشاء في بناء عقارات أو قصور، بما يضمن له استرداد رأس المال والأرباح، بمجرد طرحه لمشروعه، مع إمكانية الخروج بهذه الأموال قبل اكتمال المشروع، واستعادة ما جناه سواء بالجنيه المصري أو العملات الأخرى، بقيمة نفس العملة الصعبة التي دفعها، بما يعيد دورة الضغط على طلب الدولار من البنوك التي تلجأ إلى البنك المركزي لتدبير العملة الصعبة، في حالة عدم امتلاكها للمبالغ المطلوبة من المستثمر الأجنبي.
يشبه الخبير الاقتصادي صفقات مبادلة الدين مقابل أصول، بما يرتكبه البنك المركزي من أخطاء، بالاعتماد على الأموال الساخنة في تدبير العملة الأجنبية، حيث استخدم بيع أذون الخزانة قصيرة وطويلة الأجل بفائدة مرتفعة، والبناء على المبالغ التي توافرت من الدولار، في دعم الاحتياطي النقدي، وعندما خرجت فجأة عقب اندلاع الحرب في أوكرانيا فبراير/ شباط 2022، تسببت في تدهور الجنيه، حيث تراجع من 15.5 جنيها إلى نحو 48.5 جنيها، مقابل الدولار مشددا على أن هذا يحدث نتيجة خطأ التوصيف في نوعية الاستثمار، حيث تدعي الحكومة أن الأموال الساخنة والتنازل عن الأصول مقابل الديون، هي استثمار أجنبي مباشر، دون سند اقتصادي وعلمي.
تحذير من التنازل عن الثروات
يحذر عبد المطلب من توسع الحكومة في مشروعات التنازل عن الأصول العامة مقابل الديون للدول التي ما زالت تملك جزءا من الاحتياطي النقدي، سواء في شكل ودائع قصيرة أو متوسطة الأجل، مقابل بيع أصول وأراض مميزة، مثلما يجري بالمزادات العلنية، لأنها تعطي إشارة سلبية للمستثمرين بعدم قدرة الدولة على سداد القروض التي تحصل عليها أو الوفاء بمستحقات المستثمرين الذين يطلبون الخروج من السوق أو استرداد أرباحهم الرأسمالية.
واعتبر هذه الحلول كالحقن المخدرة للأسواق، غير المحسوبة عواقبها بالمستقبل، حيث يمكن أن تتحول الأراضي السياحية المتنازل عنها إلى عمارات ومناطق سكنية، وأنشطة تفيد المشتري، دون أن تحقق أية عوائد للدولة، وتتعارض مع خططها المستقبلية، أو تستلزم استقدام عمالة أجنبية ذات نوعية خاصة، تحرم أصحاب الأرض من العمل عليها.
يوكد الخبير الاقتصادي أن الحكومة تسرع في إتمام صفقات بيع الأصول العامة والمبادلة للديون مع الجهات الدائنة، لتوفير احتياطي نقدي يضمن قدرتها على شراء السلع الأساسية واحتياجات الدولة الرئيسية لمدة عام، يساهم في قدرتها على استقرار وتثبيت سعر الصرف لمدة 12 شهرا على الأقل، بما يمنحها القدرة على مفاوضة صندوق النقد الدولي، من مركز قوة، أثناء عمليات المراجعة الرابعة للاقتصاد المقرر أن تبدأ أكتوبر المقبل، للحصول على القسط الرابع من قرض إجماليه 8 مليارات، وقرض جديد، من صندوق الاستدامة بقيمة 1.2 مليار دولار، مشيرا إلى بحث الحكومة تخفيف مطالب الصندوق الخاصة برفع أسعار الوقود والكهرباء والدعم السلعي، المطلوب زيادتها بمعدل ربع سنوي.