ثبات الموقف المغربي إزاء دبلوماسية تبادل الأدوار بين جنوب أفريقيا والنظام الجزائري
العقل الإستراتيجي المغربي انطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية والمواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الأولى قادر على إجهاض كل المؤامرات الدنيئة والمخططات الخبيثة التي تستهدف المغرب ووحدته الترابية.
كتب البراق شادي عبدالسلام في صحيفة العرب:
بكل وضوح، الزيارة الأخيرة التي أجراها المبعوث الأممي للصحراء المغربية ستيفان دي ميستورا إلى جنوب أفريقيا وطبيعة المواضيع التي تم التداول فيها هي حدث غير ذي شأن وإساءة بليغة للتجربة الدبلوماسية الرفيعة لرجل له خبرة محترمة في حل النزاعات والوساطات الدولية والأممية. لأن هذه الزيارة للأسف، تقع خارج السياق السياسي لملف الوحدة الترابية للمملكة المغربية. وتهدد الحياد المطلوب من “مؤسسة المبعوث الأممي” لكي تمارس دورها الفعال المنتظر منها، والمرتكزة على الفهم الدقيق والعميق والمتوازن لدور كل طرف في الملف، من أجل التوصل إلى نتيجة واحدة وهي التوصل في إطار الشرعية الدولية إلى حل سياسي نهائي متفاوض عليه لنزاع مفتعل يهدف أساسا إلى زعزعة الاستقرار والأمن في منطقة جغرافية تعج بالمخاطر والأزمات والصراعات.
وتظل الصحراء المغربية أكثر المناطق أمنا واستقرارا في هذا الحيز الجغرافي الممتد من البحر الأحمر إلى المحيط الأطلسي، بفضل المقاربة المغربية الشاملة للأمن البشري المرتبط بالتنمية المستدامة التي تستمد ثوابتها من الرؤية الملكية المستنيرة، والتي حولت الأقاليم الجنوبية المغربية بمدنها ومداشرها إلى ورش تنموي مستدام وفضاء آمن للسلم والبناء، بفضل السياسات المغربية الجريئة التي جعلت من الأقاليم الجنوبية للمملكة جسرا حضاريا تنمويا يحقق الازدهار والاستقرار للشعوب الأفريقية، من خلال المبادرات التنموية الواعدة و الهيكلية التي يتبناها المغرب كمشروع أنبوب الغاز أفريقيا – الأطلسي ومبادرة المغرب الأطلسية لدول الساحل ومشروع الربط الكهربائي مع دول القارة الأفريقية، وغيرها من المشاريع الكبرى التي تستهدف أساسا خدمة الإنسان الأفريقي بالدرجة الأولى انطلاقا من حلول أفريقية للإشكالات الأفريقية.
لا يمكن تناول السلوك العدائي لجمهورية جنوب أفريقيا تجاه المغرب دون التحدث عن التنسيق الجزائري – الجنوب أفريقي على أكثر من مستوى، بهدف الإضرار بالمصالح العليا للشعب المغربي وتهديد الأمن القومي للمغرب ومحاولة المساس بوحدته الترابية، عن طريق تقديم الدعم السياسي والمالي والعسكري لحركة انفصالية بتمددات إرهابية وإجرامية في منطقة الصحراء الكبرى والساحل الأفريقي. تآمر جنوب أفريقيا على الوحدة الترابية للمملكة المغربية ابتدأ بشكل علني سنة 2004، وهي السنة التي أعلنت بريتوريا فيها الاعتراف بالكيان الوهمي في فترة قيادة نكوسازانا دلاميني زوما لوزارة الخارجية، بل أظهرت رفضها لعودة المغرب إلى حضنه الأفريقي سنة 2017 أثناء رئاستها لمفوضية الاتحاد الأفريقي، بعد تلكؤها في إجراء المساطر الإدارية المتعلقة بطلب المغرب في نفس الموضوع.
بالعودة لحصر مواقف جنوب أفريقيا العدائية تجاه المملكة المغربية، نجد إصرارا واضحا ودائما على الإضرار بمصالح المغرب وتهديد أمنه واستقراره بدعم جماعة انفصالية، تعلن في أكثر من مناسبة وبشكل مستمر على نيتها تنفيذ عمليات إرهابية في العمق المغربي. وهو الوضع الذي تتقاسمه مع النظام الجزائري الذي لا يتوانى لحظة واحدة في تكريس سلوكه العدائي الذي يشكل جزءا من سياسات عدوانية تهدد الاستقرار الإقليمي والعالمي.
إستراتيجية تبادل الأدوار الدبلوماسية بين بريتوريا والجزائر لمعاكسة سياسات المغرب الأفريقية تتعلق بمحاولة لهذا المحور القاري المؤسس على مزايدات أيديولوجية بائدة، ورؤية قاصرة لتحديات القارة الأفريقية ودولها العمل على تعطيل جهود المغرب التنموية إزاء القارة الأفريقية وشعوبها، حيث تظل المبادرات المغربية ذات الأبعاد الهيكلية هي الأمل الوحيد أمام أكثر من مليار ونصف مليار من الأفارقة، لمواجهة مختلف التحديات التنموية للقارة الأفريقية، في إطار مقاربة جديدة شاملة ومتعددة الأبعاد تقوم على الترابط الوثيق بين السلم والأمن والتنمية.
الملاحظ، أنه هناك شبه اتفاق بين محور بريتوريا – الجزائر على تحجيم دور المغرب قاريا. فالتقدم الكبير الذي حققه المغرب في أفريقيا، وخاصة في شرقها وجنوبها، أصبح يزعج مراكز القرار السياسية في بريتوريا والاقتصادية في جوهانسبورغ، كما أن قوة ومرونة وجاذبية الاقتصاد المغربي أصبحت تشكل منافسا حقيقيا لقوة الاقتصاد الجنوب أفريقي في القارة. التمدد الجيوسياسي المغربي في أفريقيا باستخدام قنوات دبلوماسية متعددة الأطراف، كالاتفاقات الإقليمية والقارية المرتبطة بالمناخ، والعودة القوية لمنظمة الاتحاد الأفريقي، والتموقع الجيد في هياكله القارية آخرها رئاسته لمجلس الأمن والسلم الأفريقي، والانخراط الجدي في التكتلات الإقليمية الجديدة كمجموعة دول أفريقيا الأطلسية، والمبادرة المغربية الأطلسية لدول الساحل، ومشروع أنبوب الغاز المغربي – النيجيري بتداعياته التنموية على كل دول غرب أفريقيا، ومناورات الأسد الأفريقي وهيمنتها على المجال الأمني المفتوح في الصحراء الأفريقية والساحل، ونجاح نهج دبلوماسية القنصليات والزخم السياسي المصاحب لها، كلها ملفات تشكل أمام جنوب أفريقيا تحديات قارية تهدد نفوذها القاري وتعمل جاهدة على وقف تأثيرها على تموقعها السياسي كدولة أفريقية رائدة.
فرغم التحفيزات الجزائرية لجنوب أفريقيا بمشاركة شركاتها في إعادة تشييد البنى التحتية الجزائرية في اتفاقات بقيمة أربعين مليار دولار، لكن تبقى جاذبية الاقتصاد الجزائري ضعيفة بسبب الفساد البنيوي الذي ينخر الدولة الجزائرية، وسيطرة الفكر العسكرتاري على مفاصل الدولة
والمجتمع، مما يحول دون تطور هذه العلاقات لتأخذ بعدا إستراتيجيا. وهنا، فالمسار الوحيد أمام الجزائر وجنوب أفريقيا لمعاكسة المغرب هو التلاعب بأمنه القومي والإضرار بمصالحه.
لذا، فكل هذه المعطيات تزعج محور بريتوريا – الجزائر الذي يرى في المغرب بتوجهاته السياسية والاقتصادية مهددا لمصالحه. وبالتالي، فالسعي لاستدراج المبعوث الأممي للصحراء المغربية للقيام بزيارة خارج السياق إلى جنوب أفريقيا وعقد لقاءات لا معنى لها هي محاولة من حكومة جنوب أفريقيا ادعاء لعب دور إقليمي وقاري في شمال القارة لتحجيم دور الرباط المتعاظم قاريا. الأكيد، أن جنوب أفريقيا لا أساس قانونيا ولا سياسيا ولا شرعية أخلاقية لها للتدخل في مثل هذا الملف الذي يعد مجالا حصريا للأمم المتحدة والأطراف المحددة بالقرارات الأممية ذات الشأن في هذا النزاع المفتعل وهي المغرب والجزائر وموريتانيا والميليشيا الانفصالية، ومجموعة أصدقاء الصحراء المشكلة من خمس دول وهي الولايات المتحدة وفرنسا وإسبانيا وبريطانيا وروسيا على سبيل الاستشارة، وعلى مستوى الأفريقي. فالقرار 693 بشأن قضية الصحراء المغربية، المعتمد بالإجماع خلال قمة نواكشوط 2018، والذي أكد على الدور الحصري للأمم المتحدة بشأن القضية الوطنية، يترجم بشكل واضح لا لبس فيه الدعم الأفريقي للمسلسل السياسي الجاري في إطار الأمم المتحدة، من أجل التوصل إلى حل سياسي واقعي وبراغماتي ومستدام لقضية الصحراء وعلى أساس التوافق، والذي أنهى بشكل عملي الدور المزعوم والمشبوه لرئيس الموزمبيق السابق خواكيم شيسانو الذي عين من طرف الاتحاد الأفريقي كمبعوث أفريقي للصحراء المغربية، والذي تم تعيينه في هذا المنصب بدعم من جنوب أفريقيا والجزائر في يونيو 2014.
لا يخفى على أحد أن الجزائر اليوم تعيش تحت وطأة أزمة داخلية خانقة، تتجلى في تدهور الوضع الاقتصادي الذي يلقي بظلاله على الوضع السياسي، والذي تحول بسبب السياسات الخارجية غير المتزنة إلى عزلة سياسية ألقت بظلالها الكثيفة على الدبلوماسية الجزائرية، التي تفتقد لرؤية إستراتيجية واضحة وخارطة طريق متكاملة وهوية إقليمية واضحة، حيث تبني مواقفها على ردود الأفعال والمزايدات الشعبوية ومحاولة الركوب على القضايا الدولية وتوهم إمكانيات. لذا، فالدبلوماسية الجزائرية لا أساس لها في الواقع. ومحاولة البحث على لعب دور إقليمي واستجداء وساطات في قضايا إقليمية معقدة تتم دون فلسفة سياسية مباشرة، كمحاولة العبث في ملف سد النهضة، أو التدخل المرفوض في الملف الليبي أو المالي، وآخرها استقبال رئيس مجلس السيادة السوداني عبدالفتاح البرهان وادعاء قدرة على حل الأزمة السودانية بتشعباتها الإقليمية.
انهيار السياسة الخارجية الجزائرية وبشكل خاص في محيطها الإقليمي بعد انسحاب مالي من اتفاق الجزائر، والانقلابات العسكرية الأخيرة التي عرفتها دول الساحل، وسعي هذه الدول للخروج من عباءة السيطرة الفرنسية والأنظمة الوظيفية التي تدور في فلكها، كالنظام العسكرتاري الجزائري الذي أصبح يعيش في ما يشبه “الحصار الجيوسياسي” نتيجة سياساته العدائية ورغبته في فرض هيمنته الإقليمية وأجنداته التوسعية، كل هذه العوامل تستدعي من النظام الجزائري إدخال لاعب إقليمي جديد لتوفير “تغطية دبلوماسية” لإسناد صراعه مع المغرب. لذا، فالدولة الأنسب للقيام بهذا الدور هي جمهورية جنوب أفريقيا والاستفادة من تاريخها النضالي وكفاحها التاريخي ضد نظام الفصل العنصري وشبكة علاقاتها الدولية. وهو بالمناسبة نفس الوضع الذي كانت تلعبه ليبيا القذافي في عهد هواري بومدين البائد، حيث كان نظام بومدين في الجزائر يستفيد من تمويل القذافي لميليشيا بوليساريو بأحدث الأسلحة والعتاد لتحقيق اختراق جيوسياسي جزائري في الصحراء.
العقل الإستراتيجي المغربي انطلاقا من الثوابت المؤسسة لسياسته الخارجية والمواقف الراسخة إزاء قضيته الوطنية الأولى، قادر على إجهاض كل المؤامرات الدنيئة والمخططات الخبيثة التي تستهدف المغرب ووحدته الترابية. جنوب أفريقيا كدولة فاعلة في محيطها القاري والدولي اليوم بسياساتها المتهورة تسير في إطار ممنهج ضد مصالح الأجيال القادمة، وبشكل يخالف الأسس التي انبنت عليها فكرة دولة جنوب أفريقيا ما بعد الأبارتايد، بمراهنتها على نظام شمولي غير ديمقراطي لا رؤية إستراتيجية له، من أجل بناء محور قاري بين الجزائر وبريتوريا، وجوده مرتبط بمعاكسة دولة ذات سيادة تروم الحفاظ على وحدتها الترابية وأمنها القومي بأبعاده المتعددة. المملكة المغربية تصر اليوم من خلال مقاربتها الحضارية الشاملة على بناء صرح قاري قادر على الحفاظ على مقدرات الشعوب الأفريقية وضمان حقوق الأجيال القادمة من الأفارقة في العيش الكريم والأمن والسلام والاستقرار.