تيه السودان
كتب علي قباجة في صحيفة الخليج.
أوضاع خطرة لا تزال تعصف بالسودان، في ظل الفشل الذريع الذي يعيشه هذا البلد على الصّعد كافة؛ إذ إن التسوية السياسية تواجه أزمات وتحدّيات، خلّفت تداعيات إنسانية واقتصادية صعبة، فالحرب دمّرت كل صنوف الحياة، إما بشكل مباشر عبر القتل اليومي؛ حيث إن أعداد الضحايا بالآلاف، وإما بشكل غير مباشر من خلال إجبار الملايين على النزوح، ومن يُؤثر البقاء فمصيره الموت جوعاً، أو مصاباً بالأمراض التي باتت تنتشر في كل مكان جرّاء غياب المنظومة الصحية.
حتى اللحظة.. فشلت جميع الوساطات بجمع طرفي الصراع، للتوصل إلى توافق يوقف شلال الدم المتدفق، ليس لهما فقط، وإنما للدولة المهددة بالتقسيم، وانتشار الصراعات، والدخول في نفق مظلم طويل من الفشل، لن تستفيق منه لعقود قمقبلة، إذ إن الشعب السوداني مشتت، ولا يملك الحد الأدنى من مقومات معيشته، بينما التوجهات بين الفريقين تأبى إلا استمرار القتال، وتوسيعه بجبهات جديدة، ليصبح الحديث عن تسوية ضرباً من العبث، مع انعدام الجدية في الولوج إليها، وتقديم تنازلات لمصلحة الوطن.
الجهود، الخارجية والداخلية، لاستعادة الحوار، ووضع خريطة طريق للحل، اصطدمت جميعها بالتعنت، أو بالالتفاف عليها، فالتوجه الحالي هو محاولة كل طرف تحقيق مكاسب على الأرض، لإخضاع الطرف الآخر في أي عملية سياسية مقبلة؛ لذا فإن المعارك تشتد، وأصوات المدافع تتعالى، والعمليات العسكرية تتوسع، لخلق وقائع جديدة، تخدم هذا الطرف، أو ذاك، على طاولة المفاوضات.
لكن ذلك كله تسبب بأزمات غير مسبوقة، وأوضاع صعبة تهدّد الشعب السوداني برمّته، فوفق الأمم المتحدة فإن ثمة 8 ملايين نازح في داخل البلاد، بأكبر أزمة نزوح في العالم، وأكثر من 1.5 مليون لاجئ إلى دول الجوار، في حين لم يغطِّ التمويل الدولي 40% من احتياجات اللاجئين، فضلاً عن مقتل 13 ألفاً على الأقل، وإصابة عشرات الآلاف، إضافة إلى التقارير المتتالية التي تشير إلى حدوث انتهاكات جسيمة يتعرض لها الكثير من السكان، من مذابح، وخطف، واغتصاب، خصوصاً مع الانفلات الحاصل، بينما ال«يونيسيف» أشارت إلى احتمال معاناة 700 ألف طفل في السودان، أخطر صور سوء التغذية، مع احتمال وفاة عشرات الآلاف، ومن المتوقع أن يعاني 3.5 مليون طفل سوء التغذية الحاد، مع وجود صعوبة في التمويل لإغاثتهم، وحتى إن وجد، فثمة عقبات للوصول إليهم في ظل الحرب الطاحنة.
ما تذكره المنظمات الأممية غيض من فيض، فثمة الكثير من المآسي التي لا حصر لها، في ظل الفشل السياسي والأمني، ما يخلق ظروفاً تجعل الحياة مستحيلة، في بلد كان يُسمى يوماً ما «سلة الغذاء العالمي»، لكنه أضحى بؤرة للجوع، وسفك الدماء، والتشرد، فهل يدرك العقلاء من كلا الطرفين إلى أي تيه يأخذون السودان؟