تونس والصندوق… هل يصمد قيس سعيد؟
كتب مصطفى عبد السلام في العربي الجديد.
منذ أشهر طويلة دخلت العلاقة بين تونس وصندوق النقد الدولي المنطقة الرمادية، ومعها دخلت المفاوضات خانة التعثر والتأجيل المفتوح.
فلا الصندوق وافق على منح حكومة تونس القرض الذي طلبته في أكتوبر/تشرين الأول 2022 رغم تخفيض قيمته في وقت سابق إلى أقل من النصف، أي إلى 1.9 مليار دولار بدلا من 4 مليارات دولار.
ولا حكومة قيس سعيد ماضية في تنفيذ مطالب الصندوق، وفي مقدمتها زيادة أسعار الوقود من بنزين وسولار وغاز تمهيدا لرفع الدعم الكلي عنها، وخفض أجور العاملين في أجهزة الدولة، وبيع عدد من الأصول العامة من شركات وبنوك، وزيادة الضرائب والرسوم وخفض قيمة العملة المحلية، الدينار، مقابل الدولار.
الحكومة الحالية ضعيفة وليس لها ظهير شعبي، ولديها خشية من غضب رجل الشارع الحانق أصلا على سياساتها وتخبطها
وإذا كان لدى حكومة تونس القدرة والرغبة في أوقات سابقة على تنفيذ بعض مطالب الصندوق، خاصة المتعلقة بخفض الدعم وزيادة الأسعار وتجميد رواتب موظفي الدولة وبيع الأصول، فإنها الآن تقف عاجزة عن السير قدما نحو هذه الخطوات المرغمة على تنفيذها كشرط للحصول على قروض خارجية.
والسبب أن الحكومة الحالية ضعيفة وليس لها ظهير شعبي، بل ولديها خشية من غضب رجل الشارع الحانق أصلا على سياساتها وتخبطها في ظل حالة الاحتقان السياسي الشديد، والتضخم غير المسبوق للأسعار، والفشل الذريع في كبح موجة غلاء غير مسبوقة.
والفشل كذلك في إقناع الداعمين الإقليميين والدوليين في تقديم مساعدات، سواء نقدية أو عينية، بمن فيهم معظم دول الخليج وصندوق النقد والبنك الدوليان، أما مساعدات الاتحاد الأوروبي فتنصب على مساعدة تونس في وقف تدفق قوارب الهجرة غير المشروعة نحو القارة.
مقابل هذا الموقف الرمادي لا يزال قيس سعيد يغازل رجل الشارع، حيث يقول إنه يعارض شروط وأجندة وإملاءات صندوق النقد الدولي، ويعتبر أن وصفاته غير مقبولة، وتمس بالسلم الأهلي للبلاد الذي ليس له ثمن، وتثير قلاقل اجتماعية وسياسية وترهق الطبقات الضعيفة.
ويقول أيضا إنه يرفض بشكل قاطع فكرة خفض الدعم وبيع شركات مملوكة للدولة. وهذا يعني نسف البرنامج الذي تقدمت به حكومته للحصول على القرض.
حتى الآن، ليس لدى السلطة الحاكمة في تونس بدائل عملية تغني البلاد عن قروض وشهادة صندوق النقد الدولي
ومن وقت لأخر يهاجم المؤسسة المالية ويطلق شعارات منها مطالبة الصندوق الالتزام بما وصفه يـ”الخطوط الحمراء” المتمثلة أساسا في احترام وضعية البلاد وضرورة الدفاع عن الفئات الهشة.
حتى الآن، ليس لدى السلطة الحاكمة في تونس بدائل عملية تغني البلاد عن قروض وشهادة صندوق النقد الدولي، ولا توجد مؤشرات على أن قيس سعيد مستعد للموافقة على شروط الصندوق، والتوصل إلى اتفاق يجنب الدولة أزمة مالية بل وتعثرا ماليا وإفلاسا يشبه حالة لبنان، في ظل الهشاشة التي تتمتع بها حكومته، والوضع الاقتصادي والمالي المتدهور، وتراجع إيرادات النقد الأجنبي.
يجب ألا نغفل أيضا الدور القوي والموقف المتشدد الذي يتبناه الاتحاد العام التونسي للشغل، أقوى منظمة مجتمع مدني في الدولة، تجاه مطالب صندوق النقد الدولي والتي يرفضها بشدة خاصة المتعلقة بخفض الرواتب والأجور وبيع أصول الدولة.
كما أن الظروف العالمية لا تساعد قيس سعيد على اتخاذ أي خطوات تجاه الاستجابة لأجندة الصندوق، فأسعار النفط تواصل ارتفاعها في الأسواق الدولية، وهو ما يعقد شرط رفع الدعم عن المشتقات البترولية.
ولا تزال البلاد تمر بموجة تضخم ناتجة عن ارتفاع أسعار الأغذية المستوردة، ولا يزال اقتصاد أوروبا يمر بمرحلة صعبة تحول دون تدفق السياح والاستثمارات والمساعدات الأوروبية إلى تونس.
إضافة إلى أن المراوغات التي يمارسها قيس سعيد وتلويحه بالاتجاه شرقا نحو الصين وروسيا بحثا عن الدعم المالي والاستثماري في ظل توقف المحادثات مع صندوق النقد لن تجدي نفعا ولن تؤتي ثمارها.
هل يصمد قيس سعيد بعيدا عن الصندوق، أم يلجأ إلى جيوب التونسيين الفارغة بحثا عن أموال يسد بها جزءا من أعباء الدين والواردات لبعض الوقت؟
بل وقد تغضب واشنطن في هذا التوقيت بالذات الذي تخوض فيه الولايات المتحدة حربا شرسة ضد الدولتين لأسباب عدة منها حرب أوكرانيا والتنافس على قيادة الاقتصاد العالمي وغيرها.
السؤال: هل يصمد قيس سعيد بعيدا عن صندوق النقد الدولي، أم يلجأ إلى جيوب التونسيين الفارغة بحثا عن أموال يسد بها جزءا من أعباء الدين الخارجي والواردات لبعض الوقت؟