اقتصاد ومال

تونس تخطو على طريق الحرير: الحضور الصيني يتعاظم

أعلن السفير الصيني في تونس “وان لي”، اعتزام بلاده إنشاء مصنع للإسمنت في تونس خلال الفترة المقبلة بقيمة 100 مليون دولار، في خطوة لتعزيز بكين حضورها الاقتصادي في تونس. وقال المسؤول الدبلوماسي الصيني، في مقابلة مع وكالة الأنباء الرسمية “وات”، إن قيمة الصفقة المتوقع توقيعها تعد الرقم الأول للاستثمار الصيني المباشر في تونس.

وتأتي خطوة اقتناء مصنع الإسمنت بعد نجاح الصين في الظفر بصفقات دولية في قطاعات البنى التحتية في البلاد، متقدمة على منافسيها الأوروبيين. وتقتحم الصين مجال تصنيع الإسمنت في تونس لأول مرة بعد شبه سيطرة أوروبية على هذا القطاع الحيوي، الذي يضم تسعة مصانع، تستحوذ شركات برتغالية وإسبانية وإيطالية على ستة منها.

وتعزز الصين حضورها في الاقتصاد التونسي عبر الاستثمار المباشر والنجاح في الفوز بصفقات هامة في قطاعات الصحة والصناعة والبنى التحتية، ما يؤكد وضع تونس موطئ قدم لها في مبادرة الحزام والطريق الصينية.

خلال الأشهر الأخيرة، تكثفت الزيارات الرسمية المتبادلة بين المسؤولين من الحكومة التونسية ونظرائهم الصينيين، ما أفضى إلى إبرام صفقات عدة بالغة الأهمية لتونس، التي تسعى إلى تحديث بنيتها التنموية، فضلًا عن الاتفاق على زيادة تدفقات الرحلات السياحية الصينية نحو تونس.

وعرف التقارب التونسي – الصيني ذروته إثر زيارة الرئيس التونسي قيس سعيد إلى الصين في نهاية مايو/ أيار 2024، حيث جدد سعيد الزيارات الرئاسية إلى بكين بعد انقطاع دام عقودًا، تلتها زيارة رئيس الحكومة السابق كمال المدوري إلى بكين في سبتمبر/ أيلول الماضي.

حزمة اتفاقات

وأفضت الزيارات المكثفة لمسؤولين من البلدين إلى توقيع حزمة اتفاقات لتنفيذ مشاريع، من أبرزها المدينة الصحية في محافظة القيروان (وسط غرب تونس)، إلى جانب تعهد الجانب الصيني بإعادة تأهيل الملعب الأولمبي في العاصمة تونس، والذي يعد أهم المنشآت الرياضية في البلاد، بكلفة تجاوزت 400 مليون دينار (130 مليون دولار). كذلك، شملت حزمة الاتفاقات بين البلدين اقتناء تونس 300 حافلة صينية لتعزيز أسطول النقل الحكومي، وإسناد صفقة أشغال الجسر الرئيسي الرابط بين الطريق السيارة “أ4” ومدينة بنزرت، إلى شركة “سيشوان” الصينية، بكلفة تزيد عن 200 مليون دولار، والذي يعد واحدًا من أهم مشاريع البنية التحتية في تونس.

ويقول الخبير المالي مراد الحطاب إن الصين تعزز حضورها في تونس في إطار سياساتها التقليدية في التعاون الاقتصادي مع الدول، بما يعرف بـ “دبلوماسية البنى التحتية”، مؤكدًا أن “العلاقات التونسية – الصينية لها ثقل مهم”، في ظل ابتعاد تونس عن توقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي لتمويل موازنة الدولة.

وأكد الحطاب أن الصين تعتمد بشكل أساسي في تعاونها الاقتصادي على تمويل مشاريع البنى التحتية، مشيرًا إلى أن الصين تختلف في سياساتها عن باقي الشركاء الاقتصاديين بعدم منح الدول التي تتعامل معها قروضًا لتمويل عجز موازناتها. واعتبر المتحدث أن عدم توصل تونس إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي بشأن قرض التمويل الممتد بقيمة 1.9 مليار دولار، وجه دفة السلطات نحو البحث عن بدائل تمويلية جديدة، تأتي الصين في صدارتها.

وأشار، في سياق متصل، إلى أن تونس لم تعلن الانخراط الرسمي في مبادرة الحزام والطريق الصينية، غير أنها تبحث عن موطئ قدم على خريطة التحولات الاقتصادية العالمية، التي تسيطر عليها دول شرق آسيا بنسبة عالية.

مبادرة طريق الحرير

ومنذ عام 2013، اقترحت الصين مبادرة الحزام والطريق بقصد تحسين الترابط والتعاون على نطاق واسع يمتد عبر القارات. وهي مبادرة قامت على أنقاض طريق الحرير في القرن التاسع عشر، من أجل ربط الصين بالعالم، لتكون أكبر مشروع بنية تحتية في تاريخ البشرية. وتنطوي ممرات النقل في مبادرة الحزام والطريق على إمكانية كبيرة لتحقيق تحسينات واسعة في التجارة والاستثمار الأجنبي وظروف المعيشة للمواطنين في البلدان المشاركة فيها، بحسب تقييم للبنك الدولي.

ورغم محاولات تعزيز حضورها في السوق التونسية، لا يزال الاستثمار الصيني المباشر في البلاد ضعيفًا، حيث تمنح الأسبقية التاريخية لدول الاتحاد الأوروبي مراتب متقدمة في قائمة كبار المستثمرين في السوق التونسية. وبحسب بيانات رسمية لوكالة النهوض بالاستثمار الخارجي الحكومية، لم تتخط الاستثمارات الصينية في تونس 10 ملايين دولار بنهاية عام 2023، بينما يصل حجم الاستثمارات الصينية المباشرة في العالم إلى 130 مليار دولار، 40 مليارًا منها في القارة الأفريقية.

في المقابل، تستأثر الصين بنصف عجز الميزان التجاري التونسي، بقيمة تزيد عن 3 مليارات دولار نهاية عام 2024، من إجمالي عجز تجاري مقدر بـ6.1 مليارات دولار. وتعد الصين رابع شريك تجاري لتونس، والشريك التجاري الأول على صعيد القارة الآسيوية، ومن عوامل هذه الشراكة أن السيارات الصينية بدأت بفرض نفسها داخل السوق التونسية، وتنتزع نصيبًا مهمًّا من سوق العربات في البلاد. ويبلغ عدد الشركات الصينية في تونس 21 شركة من إجمالي 3,700 شركة أجنبية، توفر ما يزيد عن 1,200 موطن شغل، وسط توقعات برفع طاقة هذه المؤسسات التشغيلية بدخول مستثمرين جدد في مجالات التعمير والتكنولوجيا والطاقة الشمسية وتجميع الحافلات والسيارات ومصانع الإسمنت والفوسفات.

تنويع قاعدة الشركاء

في غضون ذلك، تخطط تونس لاستقطاب أكثر من 100 ألف سائح صيني عام 2026، في مقابل 30 ألفًا حاليًّا، بحسب تصريحات إعلامية لرئيس الجامعة التونسية لوكالات الأسفار والسياحة أحمد بالطيب. ورأى الخبير الاقتصادي ووزير التجارة السابق محسن حسن أن توجه تونس نحو تنويع قاعدة شركائها الاقتصاديين حقيقة ثابتة لا يمكن إنكارها، مؤكدًا أن تحولات جيوسياسية في كامل المنطقة باتت ترجح الكفة نحو التعامل أكثر فأكثر مع دول شرق آسيا.

وقال حسن، في تصريح لـ”العربي الجديد”، إن بروز التحولات والنزوع نحو فك الارتباط الاقتصادي مع مجموعة اليورو ظهرا منذ أزمة كوفيد، مشيرًا إلى أن نجاح الصين في كسب مناقصات دولية تطرحها تونس على حساب منافسين أوروبيين، مرده تمتع هذه المؤسسات بقدرات تنافسية عالية، تسمح لها بتقديم عروض مالية وفنية أفضل بكثير من تلك التي تقدمها الدول الأوروبية.

وتابع أن “الشركات الصينية قادرة على الفوز بكل المناقصات التي تطرحها تونس في مجال البناء والأشغال العامة، لقدرتها الكبيرة على تنفيذ مشاريع بكلفة مناسبة للإمكانيات المحلية”. كذلك، قال حسن إن رغبة تونس في تنويع شركائها الاقتصاديين مردها تلكؤ المؤسسات المالية الدولية، التي تتبع في قراراتها الدول الكبرى، في مساعدة تونس خلال العامين الماضيين، رغم الأزمة الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد، ما يدفع نحو البحث عن شراكات وبدائل مالية خارج دائرة صندوق النقد الدولي وحلفائه.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى