توقعات حول علاقة هاريس وإسرائيل
كتب ضياء رشوان, في “البيان”:
قبيل مغادرته البيت الأبيض بعد فترتين رئاسيتين بأقل من شهر، وبالتحديد في 23 ديسمبر 2016، أقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما على خطوة ندر أن قام بها رئيس قبله على مدار عقود طويلة، فقد امتنع المندوب الأمريكي في مجلس الأمن الدولي عن التصويت على مشروع القرار رقم 2334، الذي وافق عليه بقية أعضاء المجلس، وطالب القرار إسرائيل بوقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية، بما فيها القدس الشرقية، وعدم شرعية المستوطنات المقامة في الأراضي المحتلة منذ عام 1967، مؤكداً أن إنشاء إسرائيل هذه المستوطنات ليس له أي شرعية قانونية، ويشكل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، مديناً جميع التدابير التي أدت لتغيير التكوين السكاني، وهدم المنازل وتشريد المدنيين، رافضاً الاعتراف بأي تغييرات في خطوط الرابع من يونيو 1967، عدا تلك التي يتفق عليها الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي من خلال المفاوضات.
وعزا كثير من المحللين إقدام أوباما على «تمرير» هذا القرار الأممي المهم، على الأقل نظرياً، إلى اعتبارين؛ الأول والأكثر أهمية: هو قرب مغادرته منصبه، وتسليم السلطة بعد نحو شهر لخلفه الرئيس المنتخب دونالد ترامب، وبالتالي فهو قد تحرر من الضغوط السياسية والانتخابية، التي يستجيب لها عادة أي رئيس أمريكي في منصبه أو يترشح له مرة ثانية. والاعتبار الثاني: يتعلق بأن أوباما ليس فقط منتمياً للحزب الديمقراطي الأقل– عموماً– تأييداً لإسرائيل، ولكنه من أبرز رموز الجناح الليبرالي داخل هذا الحزب، والمعروف بمواقفه الأكثر اعتدالاً نسبياً تجاه الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني.
وبعد قرابة الشهور العشرة من الحرب الدامية، التي تخوضها إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة، وجزئياً في الضفة الغربية، ومن الدعم الوافر العملي تسليحياً واستخباراتياً وسياسياً من جانب إدارة الرئيس جو بايدن، تفاجأ كثيرون من التصريحات التي أدلت بها قبل أيام نائبة الرئيس الأمريكي كامالا هاريس، والمرشحة المرجحة للحزب الديمقراطي بعد انسحاب الرئيس بايدن، بعد لقائها الرسمي مع رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو، فبالرغم من تأكيدها على «الدعم القوى والالتزام الثابت» تجاه إسرائيل، والإقرار بحقها في «الدفاع عن نفسها»، إلا أنها أردفت بأن «كيفية القيام بهذا هو أمر مهم»، ولم يقف الأمر عند هذا فقد أضافت هاريس عبارات تبدو غير مسبوقة من مسؤول أمريكي على هذا المستوى، ولا حتى أقل منه، تتعلق بالوضع الإنساني في غزة، والذي وصفته بأنه «كارثي ومدمر»، واصفة حال «الأطفال القتلى والجوعى اليائسين الذين يفرون بحثاً عن الأمان، وأحياناً ينزحون للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة».
وبالإضافة لتفاصيل أخرى مهمة تسير في نفس الاتجاه طالبت هاريس بوقف فوري للحرب، وقالت: «لا يمكننا أن نغض الطرف عن هذه المآسي، ولا يمكننا أن نسمح لأنفسنا بأن نصبح مخدَرين تجاه المعاناة، وأنا لن أصمت».
وبالطبع توالت ردود الأفعال الإسرائيلية الغاضبة من تصريحات هاريس من مختلف المسؤولين الكبار، وبقي التساؤل حول ما تشير هذه التصريحات مستقبلياً، والحقيقة أن ذكر واقعة أوباما تفيد كثيراً في التوقع، فهو قد فعلها وهو يغادر البيت الأبيض، وكانت مخاطرة معدومة العواقب انتخابياً، أما المرشحة الديمقراطية المحتملة فهي تفعلها في خضم منافسة انتخابية شرسة، وهي دخلتها متأخرة للغاية، وبالتالي فإن الإدلاء بتصريحاتها هذه يعبر على الأرجح عن تصور ثابت لديها، وقناعات مستقرة حول الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني.
ولا شك في أن هاريس وأركان حملتها يدركون جيداً مدى تأثير مثل هذه التصريحات سلبياً عليها من جانب مجموعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، وبالتالي فإن الإدلاء بها مباشرة بعد لقاء نتانياهو، وفي ظل تلك الظروف الانتخابية الصعبة والمعقدة، ينبئ بأن الأقرب للدقة مستقبلاً أنها إذا نجحت في تولي منصب رئيس الولايات المتحدة، فربما نكون إزاء مرحلة أخرى جديدة من الرؤية والمواقف الأمريكية من الصراع الإسرائيلي– الفلسطيني، وهو ما لا شك أن وحشية العدوان الإسرائيلي على غزة، وصمود الشعب الفلسطيني الأسطوري وتضحياته المأساوية، مع التغيرات المهمة التي تشهدها أمريكا، مجتمعاً ونخباً، كانت هي الأسباب الرئيسية وراءه.