رأي

توقعات “إكسون موبيل”: مجرد علاقات عامة ورسائل ورد على وكالة الطاقة

كتب أنس بن فيصل الحجي في صحيفة إندبندنت عربية.

استشراف شركة “إكسون موبيل” لأسواق الطاقة حتى عام 2050 لا يعبر عن مخطط الشركة للاستثمار ولا يفيد تجار النفط ولا المضاربين ولا المتاجرين بأسهم شركات النفط والغاز، ولا حتى الباحثين! له بعض الفوائد في نقاط معينة لبعض الباحثين ولأسباب خاصة، غير ذلك هو مجرد رسالة علاقات عامة لفئات مختلفة، بما فيها حماة البيئة، وترضية لبعض السياسيين لتفادي غضبهم، ورسائل أخرى للسياسيين لتوضيح نقاط مهمة تمس الصناعة، ورد على وكالة الطاقة الدولية والأمم المتحدة.

غطت وسائل الإعلام تقرير شركة “إكسون موبيل” السنوي بكثافة، الذي يشمل توقعاتها في جميع مجالات الطاقة. هدف مقال اليوم ليس تغطية ما جاء في التقرير أو كتابة مختصر له، وإنما توضيح هدف التقرير من جهة، والتركيز على أهم نقطتين ذكرتا في قسم النفط.

تصدر شركات النفط العالمية مثل “إكسون موبيل” و”بي بي” وغيرها تقارير سنوية تشمل رؤيتها لأوضاع أسواق الطاقة خلال الـ25 عاماً المقبلة، مثلها مثل وكالة الطاقة الدولية و”أوبك”. القسم الاقتصادي المسؤول عن هذه التقارير يصدر سيناريوهات عدة. بعدها يقرر المسؤولون في الشركة السيناريو الذي سيتم عليه بناء رسم سياسات الاستثمارات للشركة في الأعوام المقبلة، وهذا السيناريو يبقى سراً لا يعرفه إلا القليلون داخل الشركة. ثم يتم اختيار السيناريوهات التي تقدم علناً للعالم! هذه السيناريوهات العلنية لا علاقة لها بمخطط الشركة المستقبلي على الإطلاق، وهناك أدلة كثيرة من الماضي توضح كيف أن هذه التقارير تتجه في اتجاه مغاير لاستثمارات الشركات. خلاصة القول هنا إن استشراف “إكسون موبيل” السنوي حتى عام 2050 هو مجرد رسائل لفئات معينة.

رسالة لحماة البيئة وأنصار التغير المناخي

تتوقع الشركة أن يبلغ الطلب العالمي ذروته في منتصف الثلاثينيات وأن يكون أعلى قليلاً من 100 مليون برميل يومياً بحلول 2050. حالياً، تتوقع “أوبك” أن يتجاوز 107 ملايين برميل في الربع الثالث من العام المقبل، بينما ترى وكالة الطاقة الدولية أن يصل إلى نحو 105 ملايين برميل يومياً في الفترة نفسها. هنا تحاول الشركة أن ترضي أنصار التغير المناخي والسياسيين بقولها إن السياسات الحكومية تؤتي أُكلها وستنجح نجاحاً باهراً في خفض الطلب على النفط في قطاع المواصلات بسبب زيادة عدد السيارات الكهربائية من جهة، وتحسن أداء محركات الوقود من جهة أخرى.

المشكلة تكمن في أن الشركة ترى أن عدد السيارات الكهربائية على الطرق عام 2050 سيتجاوز 900 مليون سيارة. هذه مشكلة كبيرة لأنه يوجد أقل من 50 مليون سيارة حالياً. خلال الـ25 عاماً المقبلة، سيتم تغيير السيارات الكهربائية ثلاث مرات في المتوسط، هذا يعني أن العالم يحتاج إلى نحو 1.3 إلى 1.4 مليار سيارة كهربائية خلال 25 عاماً! وهذا من المستحيل أن يتم! والسؤال، ما هو الرقم الحقيقي الذي تعتقد قيادة “إكسون” أنه سيكون في 2050 في السيناريو الذي سيستثمرون بناء عليه؟ هذا يؤكد أيضاً أن هذا الاستشراف هو للعلاقات العامة، وليس للاستثمار. خلاصة القول هنا إن الطلب العالمي على النفط سيكون أعلى مما تتوقعه شركة “إكسون موبيل”، وربما بفارق كبير.

رسالة إلى السياسيين وصناع القرار

أكبر دليل على أن استشراف “إكسون موبيل” هو مجرد رسائل لفئات مختلفة هو ما ذكرته عن الانخفاض الكبير في إنتاج النفط خلال الـ25 عاماً المقبلة إذا لم يكن هناك استثمارات كافية. ويتضح من قراءة الموضوع أنه رد مباشر على فرضيات وكالة الطاقة الدولية والأمم المتحدة، فقد توقفت الوكالة عن إصدار توقعات لأسواق النفط وبدأت بنشر تقارير عما يجب أن يكون لتحقيق الأهداف المناخية والحياد الكربوني بحلول 2050. واستنتجت الوكالة أن الوصول إلى أهداف التغير المناخي يتطلب التوقف حالاً عن الاستثمار بالنفط والغاز. وطالبت الأمم المتحدة، وبخاصة من طريق أمينها العام أنطونيو غوتيريش، بوقف الاستثمار بالنفط والغاز، واتهم في إحدى تغريداته المستثمرين بالنفط والغاز بالجنون.

“إكسون موبيل” ردت على ذلك بأن وقف الاستثمار يعني هبوطاً ضخماً في الإنتاج، وسيكون المعروض أقل من الطلب بصورة كبيرة، مما سيؤدي إلى أزمة اقتصادية عالمية طاحنة ترتفع فيها معدلات البطالة إلى مستويات قياسية. وأكدت الشركة على أن مقابلة الطلب على النفط بحلول 2050، والبالغ نحو 100 مليون برميل يومياً، يحتاج إلى كميات هائلة من الاستثمارات، ومن ثم فالرسالة إلى السياسيين واضحة، تراجعوا عن أهدافكم المناخية وإلا ستعاني بلادكم أزمات اقتصادية كبيرة.   

ما تحدثت عنه “إكسون” ليس جديداً، بل هو معلومات قديمة ذكرها الكثير. وأكد عليها مسؤولو دول “أوبك” باستمرار. وأكد عليها المسؤولون السعوديون تحديداً مرات عدة. وحقيقة الأمر أن الطلب على النفط سيكون أعلى مما تتوقعه إكسون، ومقابلة هذا الطلب تحتاج إلى استثمارات بتريليونات الدولارات. وقراء هذه العمود قرؤوا منذ أعوام التوقعات المتعلقة بحدوث أزمة طاقة خانقة بسبب محاربة الاستثمار في النفط والغاز والفحم واستمرار نمو الطلب على النفط. والدرس الذي تعلمناه من صناعة النفط أنه على رغم الحرب على النفط والغاز فإن الاستثمارات يمكن أن تعود بسرعة إذا أدرك الغالبية أن الأسعار سترتفع ولفترة طويلة، وبخاصة أن الاستثمارات أصبحت أكثر كفاءة من قبل مع التقدم التقني الذي حصل في الأعوام الأخيرة. سبب الأزمة المقبلة لم تذكره “إكسون” وهو فشل بعض سياسات التغير المناخي، الذي يعني زيادة الطلب على النفط والغاز والفحم بالضرورة. المشكلة أن هذه الزيادة في الطب ستحصل فجأة وغير متوقعة من الغالبية.

توقعات “إكسون” مبنية على معدلات نضوب عالية جداً وغير منطقية. فهي تفترض معدلات النضوب 15 في المئة، وهذا تقريباً ضعف ثمانية في المئة التي تتوقعها وكالة الطاقة الدولية. وأتوقع أن من قام بتحرير التقرير وقع في خطأ عندما قارن معدلات النضوب وفقاً لوكالة الطاقة الدولية بمعدلات النضوب التي تبنتها “إكسون”، وذلك لأن 15 في المئة في ظل التوقف عن الاستثمار في الصناعة، ليست معدلات النضوب الفعلية حالياً.

بقي أن نذكر معلومة وهي أن غالبية التوقعات تشمل الأثر المباشر للسيارات الكهربائية في الطلب على النفط، وتتجاهل الأثر غير المباشر المتمثل في كمية السوائل النفطية، وبخاصة السوائل الغازية، التي تستخدم في صناعة السيارات الكهربائية. النتيجة الحتمية أن الطلب المستقبلي على النفط لن يكون فقط أعلى مما هو عليه الآن، لكن أعلى من كل التوقعات المتوافرة علناً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى