رأي

توتر إيراني عشية زيارة بايدن إلى السعودية

كتب طوني فرنسيس في “اندبندنت عربية”:

تثير زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن هذا الأسبوع للمنطقة العربية ولقائه قادة دول في جدة ومحادثاته مع الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده محمد بن سلمان اهتماماً إقليمياً ودولياً، وتتابعها إيران بقلق وتوتر لا يخلوان من ازدياد في منسوب العدوانية، فالزيارة تأتي في أعقاب فشل جولة الدوحة من المفاوضات النووية، وقد خرج رئيس الوفد الأميركي روبرت مالي للمرة الأولى عن تحفظاته، فحمّل الإيرانيين مسؤولية هذا الفشل بسبب طرحهم مطالب إضافية غير متفق عليها في المحادثات التمهيدية، وكرر الجانب الأوروبي الذي تولى تلك المحادثات تحميله إيران المسؤولية ودعاها في بيان مشترك فرنسي – ألماني -بريطاني – أميركي على هامش اجتماع وزراء خارجية مجموعة الـ 20 في إندونيسيا إلى التوقف عن المطالب الإضافية وقبول الاتفاق بشكله الحالي.

كانت نتائج اجتماع الدوحة الذي سارعت إيران إلى إعلان فشله مدار اهتمام الصحف الإيرانية التي لا تزال تعكس وجهات نظر التنوع النسبي القائم داخل المنظومة نفسها، وفيما لامت صحف أصولية الغرب على عدم التوصل إلى اتفاق متبنيّة ما قاله وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان من أن أميركا لم تحمل معها أي مبادرة إلى قطر، رأت صحف أخرى أن تصلب طهران وضعف فريقها التفاوضي وقراءاته الخاطئة هو السبب في فشل لقاء الدوحة.

وكان لافتاً للنظر ما كتبته “صحيفة شرق” وربطها بين ذلك الفشل وزيارة بايدن، إذ قالت إنه “لو نجحت هذه المفاوضات الأخيرة في قطر لكانت فرص خصوم الاتفاق النووي في المنطقة أقل، إذ سيحاولون الآن استغلال زيارة بايدن للضغط على إيران “التي تخسر يومياً 250 مليون دولار بسبب عدم العودة للاتفاق النووي” بحسب ما أوردت الصحيفة المذكورة.

فوجئ منتظرو الاتفاق في إيران بعد صدمة فشل الدوحة بمغادرة رئيس الوفد علي باقر كني إلى موسكو قبل أن يشرح في طهران نتائج المفاوضات، وقالت صحيفة “جمهوري إسلامي” في الرابع من يوليو (تموز) “ليست كل الطرق تؤدي إلى موسكو”، شارحة أن “النظام بات يعتمد في كل صغيرة وكبيرة على روسيا”، وأن مثل هذه الزيارات تجعل بعضهم يعتقد أن إيران تحصل على التعليمات من الكرملين.

وفي السياق، تساءلت صحيفة أخرى “لماذا كشفت وزارة الخارجية الروسية عن الزيارة ولم تعلن عنها الخارجية الإيرانية؟”.

مثل هذه الأسئلة ليست غريبة على الجدال السياسي الداخلي وتضطر القيادة الممسكة بالسلطة إلى الرد والتبرير، هذا إذا لم تلجأ إلى إسكات المنتقدين.

قبل جولة الدوحة حضر وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى طهران ليؤكد بحسب النائب السابق علي مطهري أن “المفاوضات ستكون بموافقة وضوء أخضر روسي، وبعد انتهائها يبادر كبير المفاوضين الإيرانيين إلى موسكو لاطلاع الروس على نتائجها ليأخذ منهم الإرشادات والتعليمات قبل إطلاع الرأي العام الإيراني”، لكن التشاور والتنسيق مع موسكو لم يأت صدفة، فهو قائم أصلاً ولا يقتصر فقط على الموضوع النووي.

وفي ظروف الاشتباك الروسي – الغربي سيميل البلدان إلى تعزيزه وردم تباينات عكستها شخصيات إيرانية تتعلق بهيمنة روسيا على سوق النفط الصينية فيما تراجعت الصادرات الإيرانية، والأرجح أن يكون لافروف حمل إلى طهران تطمينات بهذا الخصوص وتشديداً على رفض “المحاولات الغربية لإثارة الشقاق بين الحليفين”. وستسعى إيران في هذه المناخات إلى تحسين شروطها في المفاوضات مع الأميركيين والأوروبيين مستندة إلى دعم روسيا والصين، والبلدان تجمعهما مصلحة مشتركة في مواجهة الولايات المتحدة وحلفائها، وسيكون من الملائم لإيران التشدد في التمسك برفض ما تطرحه أميركا ويشكل مطلباً لدول الإقليم، وخلاصته وقف التدخلات الميليشياوية الإيرانية في الدول العربية ومحاصرة برنامج الصواريخ الذي لم يستعمل إلا في إيذاء دول الخليج العربي.

هذه النقطة بالذات تشكل جوهر خلاف إيران مع الجوار العربي، وهو ما تبين لإدارة بايدن عدم القدرة على تجاوزه إن هي أرادت علاقات صداقة وتبادل للمصالح مع الدول العربية عموماً ودول مجلس التعاون الخليجي العربية وعلى رأسها السعودية، ومعها مصر والأردن اللتين ستشاركان في قمة جدة.

لم تكتف إيران بالتمسك بسياستها الإقليمية وبرنامجها الصاروخي مما أدى إلى فشل المفاوضات حتى الآن، بل شنت هجوماً سياسياً وعسكرياً مضاداً وعادت إلى أسلوب الابتزاز عبر الرهائن، وهو ما تتقنه منذ ثمانينيات القرن الماضي، وفي حملتها المتجددة عشية وصول الرئيس الأميركي إلى السعودية زعمت عبر تقرير لوكالة أنباء فارس الرسمية أن أميركا تتبع مع إيران منذ عهد باراك أوباما “استراتيجية الالتفاف والتغلغل”، وقالت إن “فلسفة عدم الالتزام الأميركي بالاتفاق النووي فلسفة متجذرة ومشتركة بين الإدارات الأميركية المختلفة”، وإدارة بايدن ترى أن “تقوية الاتفاق النووي وتعزيزه يعني بالنسبة إلى الأميركيين الربط بين البرنامج النووي الإيراني وسياسات إيران الإقليمية”، وهذا بيت القصيد وهو ما يرفضه نظام الخميني بقيادة خامنئي الذي كشف نهاية العام الماضي عن أن الأميركيين يقولون إنه “يجب تضمين هذا الاتفاق جملة، وهي البحث لاحقاً حول القضايا الأخرى وإلا لن يكون هناك اتفاق”.

لم يشرح خامنئي تفصيلات “الجملة” إلا أنه يعرف أنها ستكون جوهر محادثات بايدن في السعودية حتى لو أراد تجنبها، فمضيفوه سينطلقون منها ليجعلوها في رأس جدول الأعمال.

ومنذ انتخابه قبل سنة ونصف السنة لم يزر الرئيس الأميركي الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة، ومارس ضدهم سياسات يمكن وصفها بالعدوانية، ولم يتبدل قادة الخليج بل ازدادوا تماسكاً وحرصاً على ضمان مصالح بلدانهم وعالمهم العربي، ومضوا في عملية إعداد دقيقة لمواجهة التحديات، وحافظوا على العلاقة التقليدية مع أميركا وفتحوا أبواباً واسعة نحو الشرق وباتت روسيا والصين من الشركاء الأصيلين.

لم يبق من إشارات الخلل إلا النهج التدميري الإيراني داخل كل بلد عربي، ويعرف الأميركيون الذين يفاوضون إيران ذلك، إضافة إلى معرفتهم أن الاعتداء على الدول العربية وتمزيق بنيتها الاجتماعية طائفياً ومذهبياً هو أخطر من سلاح نووي قد تحصل عليه إيران عاجلاً أم آجلاً.

سعى القادة الإيرانيون عشية القمة العربية – الأميركية إلى إثارة الموضوع الإسرائيلي عبر لبنان وغزة، ونظموا مؤتمراً لأنصارهم في بيروت للحديث عن إسرائيل وعلاقات السلام، لكن ذلك لم يغير كثيراً في المناخ الشعبي الفلسطيني والعربي، فالموقف من دعم الشعب الفلسطيني وحقه في دولته راسخ والدول العربية المعنية لن تتخلى عن هذا الحق إكراماً لخطاب إيراني مراوغ أو لقمع إسرائيلي مستدام.

توترت إيران إزاء ما يمكن أن تتمخض عنه محادثات جدة فزادت حدة صدامها مع الغرب، والأسبوع الماضي كشفت بريطانيا مصادرة صواريخ إيرانية مهربة إلى الحوثي، لترد إيران بالإعلان عن اعتقال مساعد السفير البريطاني في طهران وكذبت لندن الخبر، ومع ذلك اعتقلت السلطات الإيرانية أستاذاً بولندياً في “جامعة كوبرنيكوس” إضافة إلى زوج المستشارة الثقافية في السفارة النمساوية، وكذلك اختطفت عامل إغاثة بلجيكي لتفرض على بروكسل تسليمها الدبلوماسي أسدالله أسدي المسجون في بروكسل بتهمة الإعداد لتفجير مؤتمر للمعارضة الإيرانية في باريس، ولقد عادت إلى سياسة الرهائن التي لم تتخل عنها يوماً.

وبلغ التوتر أشده مع رسالة المرشد علي خامنئي إلى الحجاج في السعودية عشية عيد الأضحى، وهجوم الإعلام الإيراني على تعيين الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الشيخ محمد العيسى خطيباً في يوم عرفة، ووصفه بأنه “محبوب إسرائيل”.

في رسالته المسجلة في الخامس من يوليو (تموز) والمذاعة في الثامن منه هاجم خامنئي أميركا والغرب والكيان الصهيوني، ورأى أن “القوى الاستخباراتية تواجه مأزقاً كبيراً في التعامل مع ظاهرة المقاومة التي من تجلياتها الساحة الفلسطينية ولبنان والعراق واليمن”، وحدد الخامنئي مواقع نفوذه الإقليمي التي تمسّك بها في المفاوضات مع الأميركيين وفشلت مفاوضات الدوحة بسببها، ويخشى أن تكون نقطة مركزية في اللقاء العربي – الأميركي المرتقب، وما أراد خامنئي قوله في رسالته إلى الحجاج شرحه صراحة مستشاره علي أكبر ولايتي، مستبعداً من باب التمني “أي نتائج حقيقية لزيارة بايدن إلى المنطقة”، ومعتبراً أن “الغرض من سفره إلى السعودية هو محاولة تعويض تخلف ذلك البلد”.

أميركا في السعودية أمر تخشاه إيران فعلياً، ولن يجدي نفعاً في إخفاء قلقها إشادة ولايتي “بجهود الحكومة العراقية في إعادة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية”.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى