اقتصاد ومال

تهديد أميركي بعقوبات جديدة.. هل يصمد الاقتصاد الروسي؟

ترامب يلوّح بعقوبات جديدة على روسيا
روسيا هي الدولة الأكثر تعرضًا للعقوبات في العالم.. الأرقام تتحدث عن نفسها؛ فعدد العقوبات المفروضة على موسكو يقترب من 22 ألف عقوبة.


جاء الاتحاد الأوروبي في المرتبة الثانية بـ 17 حزمة من العقوبات، تجاوز عددها 2200 عقوبة حتى الآن.
الأداء الاقتصادي الروسي شكل مفاجاة؛ فبدلاً من الانهيار المتوقع، حقق نموًا تجاوز 4 بالمئة في العام الماضي. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل سجل الروبل الروسي أفضل أداء بين كافة الأصول التي يمكن مقارنتها في عام، متجاوزًا حتى الارتفاعات التي شهدها الذهب.

ومن جانبها، قدمت الباحثة لانا بدفان تفسيرًا لهذا الصمود الروسي، موضحة أن روسيا لم تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه العقوبات، بل عملت على تجنب المسار الاقتصادي الأوروبي التقليدي والتوجه بخطوات حاسمة نحو المسار الاقتصادي الآسيوي.

هذا التحول الاستراتيجي يعني تعزيز العلاقات التجارية والاقتصادية مع قوى اقتصادية صاعدة مثل الهند والصين، بالإضافة إلى الدول العربية. وهذا التنوع في الشركاء التجاريين كان عاملًا حاسمًا في حماية الاقتصاد الروسي من تأثيرات العقوبات الغربية.

لم تغفل بدفان الإشارة إلى المزايا الكامنة في الاقتصاد الروسي نفسه؛ فروسيا دولة غنية بالموارد الطبيعية، وتعتمد صادراتها ووارداتها بشكل كبير على مواد الطاقة كالغاز والمعادن الثمينة مثل المعادن النادرة، والذهب، والألماس.

هذه الثروات الطبيعية والمقدرات الداخلية الهائلة شكلت درعًا حصينًا، مكّن روسيا من تجاوز أي نتائج سلبية كارثية كان من الممكن أن تهز هيكلها الاقتصادي. وتوضح أن قدرة روسيا على الاعتماد على مواردها الذاتية وإعادة توجيه أسواقها كانت مفتاح صمودها.

وفي سياق متصل، أكدت بدفان أن هدف ترامب الحقيقي ليس تحييد روسيا عن الاتحاد الأوروبي، بل الأدهى من ذلك هو تحييد روسيا اقتصاديًا عن الصين. فترامب، بحسب بدفان، يرى في التحالف الاقتصادي الكبير بين روسيا والصين تهديدًا محتملاً.

هذا التحالف، الذي يعتمد بشكل مباشر على استخدام العملات الوطنية (الروبل واليوان) في التبادلات التجارية، أثبت نجاحه في تحقيق الاستقرار والسيولة بين العملتين.

وتابعت: ولهذا، فإن التهديدات الأخيرة من ترامب بفرض عقوبات جديدة على روسيا قد تكون موجهة بشكل غير مباشر نحو الشركات الصينية التي قد تحاول التعامل مع روسيا، على غرار ما حدث مع الشركات الصينية التي تعاملت مع إيران.

الهدف الأساسي لترامب، وفقًا لبدفان، هو إبعاد الجانب الروسي عن الجانب الصيني فيما يتعلق بالتحالف الاقتصادي، والسعي بدلاً من ذلك إلى تقارب اقتصادي أميركي روسي.

تقارب أميركي-روسي سري
ربما كان الجزء الأكثر إثارة في تحليل بدفان هو الحديث عن وجود تقارب اقتصادي أميركي روسي سري، بعيدًا عن الأضواء الإعلامية والخطاب السياسي المتشدد.

أشارت الباحثة إلى أن هناك عودة لعدد من الشركات الأميركية للعمل في روسيا، وأن رجال أعمال أميركيين استأنفوا أعمالهم في الداخل الروسي. هذا الواقع، كما أكدت بدفان، مغاير تمامًا للخطاب الرسمي الذي يندد بفرض العقوبات.

وعندما سُئلت عن القطاعات التي تشهد هذا التقارب، ذكرت أن الاستثمارات الأميركية عادت تدريجيًا إلى الأسواق الروسية في القطاعات الاستثمارية التي تعتمد على البنوك والعملات التجارية. كما شهدت روسيا عودة لبعض الشركات التي تُعنى بإدارة الشركات الصغرى، وحتى عودة بعض المحلات التجارية ذات العلامات التجارية الأميركية الشهيرة.

وأشارت إلى أن ترامب نفسه سبق وصرح برغبته في عقد صفقة مع روسيا في مجال المعادن النادرة، مما يؤكد اهتمامه بالشق الاقتصادي. هذه التحركات، وإن كانت بطيئة، تشير إلى رغبة أميركية في إعادة المسار الدبلوماسي والسياسي والاقتصادي مع روسيا.

موسكو وبراغماتية تتجاوز الخطاب الإعلامي
وحول رد موسكو المتوقع على تصريحات ترامب الأخيرة التي وصف فيها الرئيس الروسي بـ “المجنون” ودراسته لفرض عقوبات إضافية. هنا، قدمت لانا بدفان رؤية براغماتية للسياسة الروسية.

وتوقعت أن الرد الروسي لن يكون حادًا أو متشددًا، مشيرة إلى أن تصريحات الكرملين تؤكد امتنان روسيا للمسار الدبلوماسي والمفاوضات من جانب الولايات المتحدة، وأن روسيا تدرك جيدًا مطالب ترامب وتوجهاته.

فسرت المحللة كذلك تصريحات ترامب القاسية بأنها تندرج ضمن الخطاب الإعلامي الذي يهدف إلى تحسين صورته داخليًا في الولايات المتحدة، خاصة بعد مواقفه التي قد لا تحظى بشعبية في بعض الأوساط. أكدت أن الواقع مختلف تمامًا عن هذه التصريحات الجوفاء.

كما شددت على أن توجه ترامب اليوم واضح للغاية؛ فهو يسعى إلى إعادة بلورة العلاقات الروسية الأميركية على الصعيدين السياسي والاقتصادي. بل إنه، حسب بدفان، تخلى بشكل كامل عن الاقتصاد الأوروبي مقابل إعادة هيكلة علاقته مع الاقتصاد الروسي؛ لأنه يدرك تمامًا أن روسيا دولة تتمتع بامتلاك للثروات الباطنية والمعدنية، وأنها أثبتت نفسها في الظروف العسكرية.

على النقيض، الاقتصاد الأوروبي قد فشل منذ عامين عندما بدأت الدول الأوروبية تدعم أوكرانيا بالأسلحة، مما أثر سلبًا على ميزانياتها واقتصادها، بالإضافة إلى تأثير العقوبات على صعيد الطاقة. وتختتم حديثها قائلة: ترامب، ببساطة، يتجه نحو الدول التي نجحت في تخطي هذه التحديات، ولهذا، رغم خطابه ضد الصين، يعترف بقوتها الاقتصادية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى