تنويع مصادر الطاقة: مفتاح الاستقرار والازدهار خصوصا للدول المنتجة

هناك أبعاد اقتصادية وسياسية وأمنية وبيئية لتلك القضية ويعتمد الاقتصاد العالمي بصورة كبيرة فيها كمحرك أساس للنمو
كتب أنس بن فيصل الحجي, في اندبندنت عربية:
استثمرت السعودية في مشاريع الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر ضمن “رؤية 2030″، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويحميه من الصدمات الخارجية.
السؤال الذي يتكرر في المساحات والجلسات والرسائل، أليس هناك تناقض بين تبني دول الخليج للطاقة المتجددة وكونها منتجة للنفط والغاز؟ ثم لماذا تحتاج إلى دول الخليج الطاقة النووية ما دام أن لديها كميات كبيرة من النفط والغاز؟
الواقع أن تنويع مصادر الطاقة مطلب وطني لأية دولة حتى لو كانت من أكبر منتجي النفط أو الغاز في العالم، وبما أن الطلب العالمي على الطاقة في تزايد مستمر، فنحن نحتاج إلى كل مصادر الطاقة.
يشمل هذا التنويع استخدام مصادر الطاقة المعهودة مثل النفط والغاز والفحم، إلى جانب مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة النووية، إضافة إلى كل التقنيات التي تزيد من كفاءة إنتاج ونقل واستهلاك الطاقة، كما يتطلب تنويع تقنيات المواصلات بحيث تستفيد من تنوع مصادر الطاقة. والحديث عن تنويع مصادر الطاقة وعلاقته بالأمن القومي يعني أيضاً أن تقوم الدول المستوردة للطاقة بتنويع مصادر هذه الواردات، بحيث لا يكون هناك اعتماد على منطقة أو دولة ما، وأن تقوم الدول المصدرة بتنويع عملائها بحيث لا تكون رهينة للوضع الاقتصادي أو السياسي في دولة ما.
يعتمد الاقتصاد العالمي بصورة كبيرة على الطاقة كمحرك أساس للنمو، الدول المنتجة للنفط والغاز، مثل دول الخليج، تواجه أخطار الاعتماد المفرط على مصدر واحد للدخل، مما يجعلها عرضة لتقلبات أسعار السوق العالمية. تنويع مصادر الطاقة يساعد هذه الدول في تطوير قطاعات أخرى مثل الطاقة المتجددة، مما يخلق فرص عمل جديدة ويقلل من الاعتماد على النفط والغاز. على سبيل المثال، استثمرت السعودية في مشاريع الطاقة الشمسية والهيدروجين الأخضر ضمن رؤية 2030، مما يعزز الاقتصاد المحلي ويحميه من الصدمات الخارجية. والأمر نفسه ينطبق على الإمارات التي كانت سباقة في مجال الطاقة الشمسية وتدوير النفايات للاستفادة منها في توليد الكهرباء، ثم استخدام الطاقة النووية.
تبني دولة مثل السعودية للطاقة المتجددة والطاقة النووية يلبي الطلب المتزايد على الكهرباء في العقود المقبلة، ويحول النفط من الاستهلاك المحلي في محطات الكهرباء إلى التصدير، كما يوجه الغاز إلى الاستخدام الأمثل في المصانع لتعزيز القطاع الصناعي بدلاً من حرقه في محطات الكهرباء. بعبارة أخرى، إذا لم تقم السعودية بتبني الطاقة المتجدة والنووية، فإن الطلب المتزايد يعني انخفاض صادرات النفط بصورة كبيرة، ومن ثم انخفاض الإيرادات الحكومية، وتباطؤ الاقتصاد. كما أنها ستضطر إلى استيراد الغاز حتى تتمكن من مقابلة الطلب المحلي مما يستنزف الاقتصاد المحلي، من هنا تأتي أهمية إضافة الطاقة النووية إلى مزيج الطاقة في السعودية.
بالنسبة إلى الدول المستهلكة، مثل اليابان وألمانيا، فإن تنويع مصادر الطاقة يقلل من الاعتماد على الواردات، مما يوفر النفقات ويعزز الاستقلال الاقتصادي. كما أن الاستثمار في الطاقة المتجددة يحفز الابتكار التقني ويخلق أسواقاً جديدة، مما يعزز النمو الاقتصادي على المدى الطويل. المشكلة التي وقعت فيها ألمانيا وعدد من الدول الأوروبية هو فهمهم الخاطئ لـ”الانتقال الطاقي”، الذي نتج منه تركيز مصادر الطاقة بدلاً من تنويعها وتوسعوا بصورة أكبر من اللازم في مجالات الطاقة الشمسية والهوائية، لذلك نجد الأوربيين يدفعون الثمن غالياً كلما توقفت الرياح.
الأهمية السياسية ودور تنويع مصادر الطاقة في تعزيز الأمن القومي
تنويع مصادر الطاقة في الدول المستوردة يقلل من النفوذ السياسي لبعض الدول المنتجة للنفط والغاز، فعندما تعتمد دولة مستهلكة على مصدر طاقة واحد، قد تصبح عرضة للضغوط السياسية من الدول المصدرة. على سبيل المثال، أزمات الطاقة في أوروبا الناتجة من الاعتماد على الغاز الروسي أظهرت الحاجة إلى تنويع المصادر لتجنب الابتزاز السياسي. الخطأ الذي وقع فيه الأوروبيون أنهم نقلوا التركيز من روسيا إلى الولايات المتحدة، بسعر أعلى وبأخطار أكبر، وكان وضعهم أفضل لو قاموا بتنويع مصادر الطاقة من جهة، والواردات من جهة أخرى. وهنا لا بد من التوضيح بأن انخفاض دور الغاز في العامين الأخيرين سببه التباطؤ الاقتصادي وليس زيادة الطاقة المتجددة كما يقولون، الصين مثال آخر وسيجري مناقشة هذا الموضوع في مقال مقبل.
تنويع مصادر الطاقة يقلل من التقلبات السياسية داخل البلد، بخاصة في فترات الانتخابات، لأن أثر توقف مصدر واحد ضمن منظومة طاقة متنوعة بسيط، ولكن لو كانت هناك ولاية أو مقاطعة تعتمد بصورة كبيرة على مصدر واحد وانقطع، إن هذا سيؤدي إلى غضب شعبي قد ينتج منه تغيير سياسي.
من ناحية أخرى، يمكن للدول المنتجة أن تستخدم تنويع الطاقة لتعزيز مكانتها العالمية من خلال تصدير تقنيات الطاقة المتجددة أو الهيدروجين الأخضر، والأهم من ذلك كله، الكهرباء! هذه الصادرات المتنوعة تعزز نفوذها السياسي بطرق جديدة، وتخفف من أي اضطرابات داخلية.
اتفاق سعودي – أوروبي لتسريع وتيرة استثمارات الطاقة المتجددة
أمن الطاقة ركيزة أساسية للأمن القومي والأدلة على ذلك تاريخياً ومن حول العالم كثيرة، الاعتماد على مصدر طاقة واحد أو مورد واحد يعرض الدول لأخطار انقطاع الإمدادات بسبب النزاعات أو العقوبات الاقتصادية، أو الكوارث الطبيعية. تنويع مصادر الطاقة يضمن استمرارية الإمدادات ويقلل من الأخطار. على سبيل المثال، أدت الأزمة الأوكرانية إلى تسريع جهود أوروبا لتطوير الطاقة المتجددة، وزيادة استيراد الغاز من مصادر بديلة مثل قطر والولايات المتحدة.
من منظور الأمن القومي، يسهم تنويع الطاقة في تقليل التوترات الجيوسياسية المرتبطة بالسيطرة على موارد الطاقة. كما أن تطوير مصادر الطاقة المحلية، مثل الطاقة الشمسية أو الرياح، يقلل من الاعتماد على الواردات، مما يعزز السيادة الوطنية. إلا أن زيادة اعتماد أوروبا على الغاز المسال الأميركي يتعارض مع أمنها القومي. باختصار، هناك مزيج أمثل من مصادر الطاقة، ومن واردات الطاقة، يعظم المنافع السياسية والأمنية والاقتصادية في وقت واحد. إذا حادت الدولة عن مزيجها الأمثل، فإنها تعرض أمنها الطاقي والقومي للخطر.
تنويع مصادر الطاقة والتغير المناخي
يرى أنصار التغير المناخي أنه يجب التخلص من الفحم والغاز والنفط بالكامل والتركيز على الطاقة المتجددة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية، مشكلتهم تكمن في ثلاثة أمور.
أولاً، إذا كانوا مقتنعين بأن التغير المناخي يؤدي إلى تغيرات كبيرة في الطقس، لماذا يحصرون مصادر الطاقة في كل ما يتأثر بالطقس مثل الطاقة الشمسية والرياح والطاقة الكهرومائية والوقود الحيوي؟ من أغرب الأمور التي تحصل الآن أن شركات الطاقة المتجددة تقوم بالتأمين على مشاريعها ضد تقلبات الطقس والأخطار التي تنجم عن العواصف والأعاصير أو حتى توقف الرياح!
ثانياً تتعارض أفكارهم مع المصالح الاقتصادية والسياسية والأمنية، وتشير البيانات في كل أنحاء العالم إلى أنه إذا تعارضت السياسات المناخية مع السياسات الخارجية أو الأمنية أو الاقتصادية، فإن السياسيين يتجاهلون سياسات التغير المناخي!
ثالثاً، الطلب على الطاقة في تزايد مستمر، وهذا يعني أن هدفهم في إحلال الطاقة المتجددة محل الفحم والغاز والنفط لن يتحقق!
والحل هو تنويع مصادر الطاقة، والتركيز على التقنيات التي تزيد من كفاءة إنتاج واستهلاك الطاقة بمصادرها المختلفة، هذا التنويع والتقنيات يضمن أقل انبعاثات في وقت تجري فيه مقابلة المتطلبات السياسية والاقتصادية والأمنية.
أخيراً، لم أتطرق لموضوع الصين على رغم أن ما تقوم به يلمس كل نقطة في المقالة أعلاه، لأني سأفرد مقالة خاصة عن تنويع مصادر الطاقة في الصين وانعكاساته الاقتصادية والسياسية.




