رأي

تنافس صيني أمريكي.. وبروكسل بين مطرقة واشنطن وسندان بكين

كتب دانغ يوان في صحيفة DW.

لقد كان لقاء غير عادي ما كان ينبغي أن يحدث. فقد التقى وزير الخارجية الصيني وانغ يي بوزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو الأسبوع الماضي على هامش قمة رابطة دول جنوب شرق آسيا في كوالالمبور والذي تفرض الصين عقوبات صارمة عليه منذ خمس سنوات: حظر الدخول وتجميد الأصول ووقف جميع الأنشطة الاقتصادية مع الشخص المعني وحلفائه.

لكن روبيو لم يتأثر بأي من هذه الإجراءات. قبل انضمامه إلى حكومة ترامب، كان عضوا جمهوريا في مجلس الشيوخ عن ولاية فلوريدا وعضوا في اللجنة التنفيذية للكونغرس الأمريكي المعنية بالصين أي في مجلس النواب ومجلس الشيوخ. وتتمتع اللجنة بتفويض قانوني لمراقبة حقوق الإنسان وتطور سيادة القانون في الصين. وتقوم اللجنة بإعداد تقرير للرئيس الأمريكي مرة كل عام.

وفي هذا الدور انتقد روبيو بشدة الحكومة الصينية لقمعها الحركة الديمقراطية في منطقة هونغ كونغ الصينية المتمتعة بوضع إداري خاص. ولاحقا أنتقد بكين لتقييدها الشديد للحقوق المدنية في مقاطعة شينغيانغ غربي الصين التي يقطنها المسلمون بشكل رئيسي. ولم تتسامح حكومة بكين مع ما اعتبرته “تدخلا في الشؤون الداخلية” ووضعت  روبيو على قائمة العقوبات بعد أن فرضت الحكومة الأمريكية عقوبات على السياسيين الصينيين.

تزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين

في يوم الجمعة الماضي (11 يوليو 2025) عُقد أول لقاء شخصي بين وزيري خارجية البلدين خلف أبواب مغلقة. ولم تتسرب إلى العلن سوى معلومات قليلة بشأن المواضيع الجوهرية التي نوقشت. ووصفت وسائل الإعلام الرسمية الصينية  المحادثات لاحقا بأنها “إيجابية وبراغماتية وبناءة”.

وفي المؤتمر الصحفي الختامي يوم السبت (12 يوليو 2025) لخص وانغ النتائج الرئيسية من وجهة نظره بأربع كلمات مفتاحية: الحفاظ على الاتصالات، تجنب سوء التقدير، إدارة الخلافات، وتوسيع التعاون. لكنه لم يذكر شيئا عما إذا كانت العقوبات المفروضة على روبيو لا تزال قائمة.

وفي واشنطن كما في بكين هناك أيضا “إرادة قوية” لتنظيم لقاء بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والرئيس الصيني شي جين بينغ، كما أكد وزير الخارجية روبيو بعد المحادثة. ويُعتبر لقاء وزيري الخارجية مؤشرا على زيارة رئاسية محتملة إلا أنه لم يتم الاتفاق على موعد بعد.

مئوية المحيط الهادئ

في حين أن الفضاء الأطلسي كان له تأثير كبير على السياسة العالمية في القرن العشرين بات من الواضح في عام 2025 أن هذا التأثير سيتحول في هذا القرن نحو منطقة المحيط الهادئ. ولهذا السبب يطلق خبراء السياسة على القرن الحادي والعشرين اسم “قرن أو مئوية المحيط الهادئ”.

وما تزال الولايات المتحدة القوة العظمى في العالم لكن الرئيس الصيني شي جين بينغ يطمح لأن تصبح الصين بحلول عام 2049، أي في الذكرى المئوية لتأسيس جمهورية الصين الشعبية “دولة اشتراكية قوية ديمقراطية متحضرة ومنسجمة”.

وتتوقع شركة الاستشارات برايس ووترهاوس كوبرز في دراسة نُشرت مطلع عام 2025 أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة خلال الثلاثين سنة القادمة لتصبح أقوى دولة اقتصاديا في العالم.

والصراع على المركز الأول كقوة مهيمنة في العالم يميز عالمنا منذ اليوم. وتقف واشنطن وبكين في مواجهة بعضهما البعض كمنافسين. ونتائج ذلك هي:  حرب تجارية وسباق تسلح عالمي وتزايد التوترات الجيوسياسية.

الاتحاد الأوروبي بين مطرقة وسندان

تستخدم الولايات المتحدة الآن منطق القوة لإجبار جميع الدول الأضعف اقتصاديا على تقديم تنازلات تجارية. وفي يوم السبت (12 يوليو) أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن فرض رسوم جمركية بنسبة 30٪ على الواردات القادمة من الاتحاد الأوروبي بدءا  من 1 أغسطس.

وحسب معلومات وكالة الأنباء الألمانية فان الفولاذ والألمنيوم مستثنيان من هذه الرسوم الجديدة ولكنها تخضع أصلا  لرسوم جمركية مرتفعة. فعلى سبيل المثال تفرض الولايات المتحدة  رسوما جمركية بنسبة 25٪ على السيارات وقطع غيار السيارات المستوردة من الاتحاد الأوروبي بينما تصل الرسوم على الفولاذ والألمنيوم إلى 50٪.

وردت رئيسة المفوضية الأوروبية أورزولا فون دير لاين بسرعة مؤكدة استعدادها لاتخاذ “جميع الخطوات اللازمة” لحماية مصالح الاتحاد الأوروبي، بما في ذلك اتخاذ إجراءات مضادة. وفي الوقت نفسه أعربت عن استعدادها للعمل على “اتفاق”.

إظهار محتوى إضافي؟

هذا المحتوى جزء من النص الذي تقرأه حاليًا. يوفر المزود X / Twitter هذا المحتوى ويمكنه جمع بيانات الاستخدام الخاصة بك عند النقر على “إظهار المحتوى\عرض المحتوى الذي يقدمه المزود X / Twitter بشكل دائم

ومن المقرر أن يكون مفوض التجارة في الاتحاد الأوروبي، ماروش شيفتشوفيتش قد أجرى محادثات مع المفاوض الأمريكي يوم الاثنين (14 يوليو 2025).

ودق الاقتصاد الألماني ناقوس الخطر.  فالرسوم الجمركية المهددة قد تُلحق الضرر بـ”الانتعاش الاقتصادي وقوة الابتكار”، بحسب ما قاله فولفغانغ نيدرمارك، عضو الإدارة التنفيذية للاتحاد الفيدرالي للصناعة الألمانية. كما أن الثقة في التعاون الدولي ستتأثر سلبا. وباعتبارها دولة تعتمد على التصدير فإن ألمانيا تماما كالصين بحاجة إلى التجارة الحرة.

الولايات المتحدة: شريك منافس أم خصم للاتحاد الأوروبي؟

والآن يُطرح السؤال: من هو الطرف الذي يمكن الوثوق به؟ الحليف القديم، الولايات المتحدة التي باتت تضع العوائق أمام  شركائها الأوروبيين في طريق العولمة؟ أم الصين الشيوعية الصاعدة التي تسعى رغم الخلافات الأيديولوجية إلى توثيق التعاون مع أوروبا وألمانيا؟

هل أصبحت الولايات المتحدة اليوم بالنسبة لأوروبا أيضا “شريكا، ومنافسا، وخصما”؟ يطرح خبيرا الشؤون الصينية، باولا أوليفر يورينتي وميغيل أوتيرو إغليسياس من مركز الفكر الإسباني “معهد إلكانو الملكي” هذا السؤال الاستفزازي.

الصين تفرض رسوماً انتقامية 34% على السلع الأمريكية

هذا الوصف الثلاثي كان في الأصل تعريف أوروبا لعلاقتها مع الصين، وقد تم اعتماده في استراتيجية الحكومة الألمانية تجاه الصين عام 2023.

“لكن الاتحاد الأوروبي يواجه صعوبة في ربط تعريف المفاهيم هذا بإجراءات ملموسة وموحدة”، كما يكتب الخبيران. “لقد أصبحت حالة عدم اليقين العامل الحاسم في تموضع الاتحاد الأوروبي الاستراتيجي في سياق التنافس بين  الولايات المتحدة والصين.”

ويعتقد لورينتي وأوتيرو إغليسياس أن لدى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تصورات مختلفة تماما بشأن التهديد الذي تمثله الصين. فالولايات المتحدة ترى في الصين “منافسا يسعى إلى الهيمنة” و”تهديدا وجوديا” يجب محاربته. أما الاتحاد الأوروبي فيسعى إلى علاقة متوازنة مع فاعل عالمي. ولهذا السبب يجب على أوروبا تطوير استراتيجيات متمايزة للتقليل من المخاطر بهدف الحد من التبعيات الحرجة تجاه الصين.

تحدٍ تاريخي” لألمانيا

في هذا السياق يرى خبيرا الشؤون الصينية، كلاوديا فيسلينغ وبرنهارد بارتش من مركز الأبحاث الصيني في برلين أن “سياسات دونالد ترامب والصراع الأمريكي-الصيني يمثلان التحدي التاريخي لألمانيا”. فقد أصبحت القناعة الراسخة منذ زمن بعيد بإمكانية التعاون الموثوق مع الولايات المتحدة موضع شك. ولم يعد من الممكن الاستمرار في العمل كالمعتاد.

لكن من الواضح: إذا اقتربت ألمانيا كثيرا من الصين، فإنها ستثير غضب واشنطن. فلا تزال الولايات المتحدة حتى اليوم عنصرا لا غنى عنه في منظومة الأمن الأوروبية لما بعد الحرب العالمية الثانية. وبعد الغزو الروسي لأوكرانيا أصبحت أهمية الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا أكثر وضوحا.

وترى فيسلينغ وبارتش أن الحكومة الألمانية تواجه ضغطا غير مسبوق لإيجاد موضع قدم لها في عالم تُحدده الجغرافيا السياسية في وقت يشهد فيه المجتمع داخل البلاد انقساما متزايدا.

بداية جديدة بين بروكسل وبكين؟

من المقرر أن تُعقد قمة الاتحاد الأوروبي والصين في بكين نهاية يوليو. وتأمل بكين في انطلاقة جديدة للعلاقات مع أوروبا. وحتى الآن لم تُعلن الحكومة الأمريكية عن الرسوم الجمركية المفروضةعلى السلع الصينية. لكن حلفاء الولايات المتحدة الكبار في آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية سيتوجب عليهم دفع رسوم استيراد بنسبة 25% اعتبارا من 1 أغسطس. ومن الممكن التكهّن بالفعل بمقدار الرسوم الجمركية التي قد تُفرض على الصين.

وقد يؤدي نشوب  حرب تجارية بين الولايات المتحدة والصين إلى أن تصبح السوق الأوروبية وجهة لاستيعاب الفائض الصناعي الصيني. كما قد تعتبر الولايات المتحدة المنتجات التي تُصنّع داخل الاتحاد الأوروبي من خلال الاستثمارات الصينية المباشرة على أنها منتجات صينية وتفرض عليها رسوما مرتفعة.

ويشدد لورينتي وأوتيرو إغليسياس على ضرورة أن تتعاون جميع دول الاتحاد الأوروبي معا لتقليل التبعية. فالدول الأعضاء تربطها علاقات مختلفة مع الولايات المتحدة  والصين، وتعتمد اقتصاداتها بدرجات متفاوتة على أكبر وأكبر ثاني اقتصاد في العالم. هذا “التنوع المتأصل” يؤدي أيضا إلى اختلاف في السياسات الخارجية.

ويخلص الخبيران الإسبانيان إلى أن “الشراكات ضرورية للاتحاد الأوروبي، بما في ذلك مع الصين”. وأضافا: “على الصين أن تفتح سوقها أمام الشركات الأوروبية ولتحقيق ذلك هناك حاجة إلى إجراءات ملموسة وليس وعود فقط.”

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى