تكويت القضاء مطلب حيوي.. يتطلب دراسات لتحقيقه

كتب د. محمد حسين الدلال في صحيفة القبس.
تداولت وسائل الاعلام مسودة مرسوم بقانون مقترح لتعديل قانون تنظيم القضاء، وتناولت الأخبار أن التعديلات المقترحة التي تبحثها كل من وزارة العدل ومجلس القضاء تتناول مسائل مهمة في دور وأداء السلطة القضائية، وانطلاقاً من أهمية السلطة القضائية وأدوارها، ومن واقع التخصص ومجال العمل، وفي إطار خبرتنا السابقة كعضو في مجلس الأمة حيث تقدمنا حينها بعدد من المقترحات من أجل تطوير أداء السلطة القضائية.
ونورد عددا من الملاحظات في شأن ما طرح من مسودة التعديلات المقترحة مع إبداء الرأي بشان عدد منها.
أولاً: تعديلات مهمة وإيجابية
- أول تلك التعديلات المهمة والإيجابية هو استكمال جوانب إدخال الوسائل الإلكترونية والتكنولوجيا الحديثة في أعمال وأدوار المحاكم كما ورد في المادة 13 من مسودة التعديلات المقترحة على قانون تنظيم القضاء.
- من الجوانب الإيجابية أيضاً تبني سياسة التأقيت وتحديد زمن للمنصب الإداري في المناصب الإشرافية والإدارية في السلطة القضائية، وتعد أحد متطلبات تطوير السلك القضائي، وأحد أهم معايير الحوكمة، وقد أشارت عدد من المواد في مسودة القانون المعدل الى هذا التوجه الإيجابي.
- تناولت المادة 25 من مسودة التعديلات على قانون تنظيم القضاء اعتماد مدونة للسلوك القضائي لترشيد أعمال وأدوار أعضاء السلطة القضائية، وهي خطوة مباركة تستحق الإشادة والدعم.
- مع إيجابية إنشاء صندوق للضمان الاجتماعي للقضاة وأعضاء النيابة العامة، وللصندوق عدد من الأهداف المرجوة، إلا ان احدى أفكار قيام الصندوق انبثقت من فكرة تقابلها وهي أحقية مخاصمة القضاء، ولذلك مع إيجابية المادة 71 من مسودة التعديلات المقترحة إلا انها ناقصة وغير مكتملة.
- من أهم التعديلات الإيجابية المقترحة تبني سياسة التكويت في السلك القضائي وهو مطلب قديم وحيوي، والملاحظة تكمن في تحديد المدة والخطوات اللازمة للقيام بذلك، والذي يتطلب القيام بدراسة تفصيلية لتحقيق هذا الهدف المهم.
- من أهم التطورات الإيجابية في التعديلات المقترحة ما أشارت به المادة 28 من مسودة التعديلات على صدور الأحكام القضائية بإيراد رأي الأغلبية ورأي الأقلية من القضاة، وهو نهج إيجابي في صياغة وتسبيب الاحكام.
-احتوت مسودة تعديل القانون على إضافة إيجابية بشمول التفتيش القضائي أعمال مستشاري محكمة الاستئناف بعد أن كان التفتيش مقتصراً وفق القانون القائم على قضاة المحكمة الكلية فقط.
- من التعديلات المقترحة الإيجابية منح رجال القضاء والنيابة العامة أحقية استكمال دراستهم العليا وفق ضوابط.
ثانياً: ملاحظات على مسودة التعديلات تتطلب إعادة النظر فيها
- على الرغم من ان التعديلات المقترحة تناولت إضافات جديدة عديدة ومتنوعة في قانون تنظيم القضاء وعالجت جوانب قصور سابقة إلا ان مسودة التعديلات المقترحة أبقت على العديد من النصوص التي ببقائها، يكون المقترح المقدم لم يعالج أوجه دعم استقلالية السلطة القضائية باعتبارها سلطة دستورية نص دستور الكويت على استقلاليتها، حيث نصت المادة 163 من الدستور «لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، ويكفل القانون استقلال القضاء ويبين ضمانات القضاة والأحكام الخاصة بهم وأحوال عدم قابليتهم للعزل»، والمسودة المقترحة للقانون، ويتطلب الأمر إعادة النظر فيه في اتجاه تعزيز استقلالية السلطة القضائية، ولتوضيح ذلك نشير الى عدد من تلك النصوص في مسودة التعديل المقترح وهي في الغالب قائمة في القانون المطبق حالياً، فالمادة 36 تنص على «لوزير العدل حق الإشراف على القضاء..»، وتنص المادة 62 «أعضاء النيابة العامة يتبعون جميعا النائب العام، ويتبع النائب العام وزير العدل..»، وتنص المادة 12 «.. وللوزير ان يعيد الى الجمعية العامة للمحكمة أو لجنة الشؤون الوقتية بها ما لا يرى الموافقة عليه من قراراتها لإعادة النظر فيها..»، وتنص المادة 17 على «يختص المجلس الأعلى للقضاء بالنظر بناء على طلب وزير العدل في كل ما يتعلق بتعيين القضاة وأعضاء النيابة العامة وترقيتهم ونقلهم وندبهم..»، وتنص المادة 69 «تعين وزارة العدل العدد الكافي من الموظفين للعمل في الشؤون المالية والإدارية والكتابية بالمحاكم والنيابة العامة..»، وتنص المادة 71 «ينشأ بوزارة العدل صندوق للرعاية الاجتماعية للقضاة وأعضاء النيابة العامة الحاليين..»، وتنص المادة 74 «.. وتدرج هذه الاعتمادات ضمن المصروفات المختلفة والمدفوعات التحويلية في القسم الخاص بوزارة العدل في ميزانية الوزارات والإدارات الحكومية»، وتنص المادة 75 «يخول لوزير العدل كل اختصاصات ديوان الخدمة المدنية..، وذلك بالنسبة لشؤون القضاة والنيابة والجهات المعاونة لهما»،…الخ.
- أوردت المادة 19 من مسودة التعديلات على قانون تنظيم القضاء شرطاً جديداً على شروط تولي القضاء «أن يكون كويتياً بصفة أصلية»، وقد اشترطت المادة في قانون تنظيم القضاء القائم حاليا «أن يكون كويتيا» من دون إضافة بصفة أصلية، وإضافة عبارة أن يكون القاضي كويتياً بصفة أصلية تثير عددا من المسائل، أولاها شبهة مخالفة المادة 29 من الدستور «الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، لا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين»، فلا تتحقق المساواة في الحقوق والواجبات التي كفلها الدستور لمن كان كويتيا بصفة اصلية من غيره ممن يتمتع بالجنسية الكويتي على مواد قانون الجنسية الأخرى، وثانيا قيام هذا الشرط من شأنه إبعاد العديد من أصحاب التخصص والخبرات من الكويتيين من تولي القضاء بسبب عدم تمتعهم بالجنسية بصفة أصلية، وثالثاً خلق طبقة اجتماعية ووظيفية تتمتع بمزايا من دون باقي الكويتيين وهو ما يسبب تفرقة غير محمودة.
- خلا المقترح المطروح من نصوص تنظم مسألة مخاصمة القضاء، ففي الوقت الذي تمنح التعديلات مزيدا من الضمانات والامتيازات للقضاة ووكلاء النيابة كان من المفترض أن يتضمن التعديل ما يوضح آليات مخاصمة القضاء، فالقضاة ومن يماثلهم ويأخذ حكمهم يمكن مقاضاتهم ومخاصمتهم عن الخطأ، وهو ما تبنته الشريعة الإسلامية ومبادئ العدالة وفقه المحاكم والقضاء دولياً، لذلك يقترح إضافة نصوص تعطي هذا الحق في اطار ضمانات تكفل احترام دور القضاة ووكلاء النيابة بشكل عام ولا يساء استخدام هذا الحق.
- أوردت المادة 20 من مسودة القانون المعدل حكماً غريباً حيث تطلب فترة بينية بين المناصب، فلا يحق من يتولى منصب كرئيس المحكمة الكلية أو رئيس محكمة الاستئناف أن يزاول منصبا اشرافيا كعضوية مجلس القضاء الأعلى إلا بعد انتهاء مدته الأصلية ومن ثم انقضاء فترة تعادل فترة شغل الوظيفة سابقاً، وبلا شك أن هذا نوع من التضييق في اختيارات من يتولى عضوية مجلس القضاء الأعلى ولا فائدة مرجوة من هذا التوجه.
- أوردت المادة 38 من مسودة المرسوم بالقانون المعدل أحقية النيابة العامة في تولي سلطة التحقيق والتصرف والادعاء والجنايات والجنح التي تقع من القاضي او أعضاء النيابة العامة، ونظرا لطبيعة مكانة القاضي أو القدماء من وكلاء النائب العام فمن غير المناسب أن يعهد الأمر في التحقيق والتصرف للنيابة العامة، ويقترح أن يقوم مجلس القضاء الأعلى بتشكيل لجنة خاصة للتحقيق والتصرف بشأن ما يقع من القاضي أو أعضاء النيابة، وهو أمر يتماشى مع باقي النصوص الخاصة بتأديب القضاة ووكلاء النيابة.
- أوردت المادة 69 من مسودة المرسوم بالقانون المعدل نصاً هو قائم في السابق ولكن ثبت بالتجربة عدم فاعليته، ومن الأهمية تطويره، وهو حكم يعطي وزير العدل صلاحية تعيين العدد اللازم لدعم السلطة القضائية إدارياً ومالياً، ونظرا للطبيعة الخاصة للقضاء فإنه يستوجب أن تشكل أمانة عامة تابعة لمجلس القضاء تمنح صلاحية تعيين وتوظيف المساعدين للقضاء في الجانبين الإداري والمالي، فالطبيعة الخاصة للقضاء ينبغي ألا تدار وفق أنظمة الدولة الأخرى أو الأجهزة الحكومية، كما ان المادة تقع ضمن العديد من المواد التي تبعد القضاء عن الاستقلالية المطلوبة دستورياً.
- من النصوص القائمة والتي لم يجر عليها تعديل نص المادة 76 من مسودة القانون المعدل، والنص يحتوي على تطلب قيام مجلس القضاء إعداد تقرير سنوي عن الأمور التي تقع ضمن عمل القضاء وما يراه لازماً للنهوض بسير العدالة ويسلم نسخة الى مجلس الوزراء، ولعل تجربة السنوات تشير الى غياب مثل هذا الدور من كل الأطراف المعنية، فلا يتم تسليم صورة من التقرير اذا طُلب او وُجه سؤال برلماني من مجلس الامة، ولا يعرف كيف تصرف مجلس الوزراء مع تقارير وملاحظات مجلس القضاء، ولذلك وحتى لا تصبح تلك المادة من دون إضافة لها على سلك القضاء مما يستوجب معه الشفافية في عرض التقرير للرأي العام، ويتطلب تسليم صورة منه الى مجلس الأمة، وهو أمر من شأنه أن يساهم في جدية أعضاء القضاء في طرح آرائهم الفنية والتي تصب في مصلحة تطوير مسار العدالة والنهوض بالقوانين المطبقة.
ختاماً.. لا شك أن التعديلات المقترحة تحمل إضافات إيجابية تستحق التقدير، إلا أنه بالمقابل يوجد عدد من التحفظات أشرنا إليها أعلاه، نأمل أن ينظر فيها بعين الاعتبار تعزيزاً لمسار العدالة ودعم السلطة القضائية في أداء واجباتها الدستورية والقانونية.