تقارب روسي- أمريكي

كتب علي قباجة, في الخليج:
من نافلة القول إن اللقاء الذي جرى بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين، يُعدّ «انقلاباً» كبيراً في السياسات الدولية، وله ما بعده، خصوصاً أن الاجتماع الذي تم في قاعدة أمريكية في ألاسكا كان أسطورياً، إذ تميّز باستقبال حافل تخللته عروض جوية، بجانب انحناء جنود أمريكيين أمام طائرة بوتين لفرد السجادة الحمراء، إضافة إلى وجود ترامب بنفسه في الاستقبال، الذي أصر على اصطحاب نظيره الروسي بجواره في السيارة الرئاسية، وبناء على التصريحات الودية المتبادلة بعد اللقاء، فإن ما حصل له دلائل كبرى تؤشر إلى أن أمريكا تصيغ سياسة جديدة هدفها خفض التصعيد مع روسيا حتى لو كان ذلك على حساب أوكرانيا والأوروبيين.
بعد القمة الأمريكية-الروسية بأيام قليلة، عقد ترامب اجتماعاً في واشنطن مع أبرز قادة أوروبا وإلى جانبهم الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، حيث كانوا جالسين أمامه في المكتب البيضاوي، في محاولة منه لإقناعهم بتقديم تنازلات مؤلمة لوقف هذه الحرب، بينما تم إبلاغ زيلينسكي بفكرة تبادل أراضٍ، والنظر في فكرة التخلي عن بعضها، والتراجع عن مطالب الانضمام إلى «الناتو»، مقابل تجميد خطوط القتال، مقدمةً لإنهاء الصراع، ثم تقديم ضمانات أمنية قوية لكييف، وهو ما تم رفضه أوكرانياً وأوروبياً، والشيء الأهم الذي تم الاتفاق عليه هو حماية أوكرانيا لمرحلة ما بعد الحرب، والتي تصر روسيا على أن يتم إشراكها في أي صياغة أمنية لاحقة، لحفظ أمنها أيضاً.
جميع الفاعلين في الصراع الأوكراني يرون صعوبة الأطروحات المقدمة للسلام، إذ ثمة تعقيدات ضخمة لا يمكن حلها باجتماع أو اثنين، كما أن فكرة جمع بوتين وزيلينسكي قد لا تكون حلاً لأنه لا يوجد اتفاق في الأفق القريب على خطوط عريضة، وهو ما أكدته موسكو بأن اللقاء سابق لأوانه، كما أن ترامب عبر عن ذلك بنفسه بالقول: إن جمع نظيريه بوتين وزيلينسكي، مهمة بالغة الصعوبة، مضيفاً أن الأمر يشبه بعض الشيء خلط الزيت بالماء.
لكن لابد من الإشارة إلى أن أكبر المستفيدين كان بوتين، الذي نجح في كسر عزلته من الغرب، واستُقبل بما يليق بدولة عظمى تُشكّل قطباً مهماً عالمياً، وفاعلاً مؤثراً على الساحة الدولية، وهو ما لم يقابل به القادة الأوروبيون أو الرئيس الأوكراني، ليبدو أنه أشبه بانقلاب سياسي لمصلحة الروس، الذين نجحوا في استمالة ترامب أيضاً بالتلويح بوقف المساعدات العسكرية، أو تمويلها أوروبياً وإرسالها لأوكرانيا.
الخاسر الأكبر هو أوكرانيا وأوروبا، فيما بدا «تخلي» الحليف الأمريكي الأهم عنهما، في حين أن روسيا لا تزال تسيطر وتتقدم ميدانياً وتكسر عزلتها شيئاً فشيئاً فارضة الأمر الواقع الذي تريده، وهذا ما يجعل أوروبا مكشوفة تتخوف من القادم الأسوأ، وتستعد لأصعب السيناريوهات، ما يجعل المستقبل يحمل الكثير من المخاطر الكامنة خلف شعارات السلام التي ينادي بها الجميع.