كتب سركيس نعوم لـ”النهار”: هل تنشّط اللقاءات الإماراتية – الإيرانية النادرة أو القليلة الأمل في تخفيف التوترات في الخليج بشقيه العربي والفارسي؟ هذا السؤال طرحته جهات سياسية عربية متنوّعة بعد الزيارة المفاجئة لطهران التي قام بها الشيخ طحنون بن زايد المسؤول الأول عن الاستخبارات الإماراتية، في السادس من الشهر الجاري، والزيارة الأخرى التي قام بها في شهر آب الماضي لقطر ذات العلاقة الجيّدة مع إيران بعد مقاطعة غالبية مجلس التعاون الخليجي لها ومحاصرتها إيّاها قبل أكثر من ثلاث سنوات، بسبب العلاقة الممتازة بل التحالفية بين تركيا أردوغان وقطر ذات الاتجاه الإسلامي ورعاية الاثنتين “جماعة الإخوان المسلمين”.
الجواب عن السؤال المذكور أعلاه قدّمه مركز أبحاث أميركي جدّي معروف بقدرته على الوصول الى مصادر المعلومات المهمّة. وفيه أن الزيارة الرفيعة المستوى الإماراتية الأخيرة لطهران تعكس رغبة أبو ظبي في الانتقال من علاقة مضطربة مع إيران أو من لاعلاقة جدّية الى علاقة عامّة أكثر عملية وبراغماتية. دافعها الى ذلك المكاسب الأمنية والاقتصادية التي يمكن أن يحقّقها الانفتاح. فزيارة الشيخ طحنون لطهران أخيراً واجتماعه مع الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي أشارت الى رغبة في “تطرية” العلاقات بين جيران “الخليج الفارسي”. وقد نُقل عن رئيسي قوله للشيخ طحنون إنه “يرحّب بتحسين العلاقات مع الإمارات وإن زائره الإماراتي الرفيع وجّه إليه دعوةً لزيارة بلاده”. طبعاً لم يُشر الإعلام الإيراني الى الدعوة المذكورة، لكنه أكد أن الطرفين ناقشا “تقوية العلاقات الثنائية واستكشفا مجموعة من الموضوعات ذات الاهتمام المشترك”. علماً بأن الإمارات اعتبرت منذ مدة طويلة، السيطرة أو الهيمنة الإقليمية الإيرانية تهديداً لأمنها القومي أو الوطني. ذلك أن ما يُقلق أبوظبي هو تحوّل إيران دولة نووية عسكرياً ولا سيما في ظل حقيقة مهمة، هي أن ما يفصل الدولتين هو مضيق هرمز.
الى ماذا أرادت الإمارات فعلاً أن تشير في انفتاحها المذكور أعلاه؟ تفيد معلومات مركز الأبحاث الأميركي نفسه أنها أرادت الإشارة الى استعدادها لتكون أكثر براغماتية في علاقاتها الإقليمية من أجل ضمان أمنها في وجه التهديدات الثابتة. وفي الأشهر القليلة الأخيرة نفّذت الإمارات تحرّكات لتحسين علاقاتها الديبلوماسية مع منافسيها الإقليميين مثل تركيا وقطر، كان أبرزها زيارة وليّ عهدها الشيخ محمد بن زايد اسطنبول للمرّة الأولى منذ نحو عقد. كما كان أبرزها أيضاً زيارة الشيخ طحنون بن زايد قطر للمرة الأولى منذ أربع سنوات. توحي حركة الإمارات لترييح العلاقات مع الدولتين المذكورتين أنها لم تعد في الخلافات معهما مانعاً لتعاون ديبلوماسي وتشير الى اعتراف أبو ظبي بأن النقص في الحوارات الثنائية مع قوى إقليمية أخرى يجعل من الصعب نزع فتيل التوتر من جرّاء الخلاف على موضوعات تؤثّر مباشرة على المصالح الإماراتية. علماً بأن إيران دفعت منذ مدة طويلة في اتجاه علاقات دافئة مع دول مجلس التعاون الخليجي. لكن الإمارات وقائدة المجلس أي السعودية، رفضتا دائماً مقاربات إيران وتقرّبها. وبما أن تركيز الولايات المتحدة الآن هو على مواجهة تهديدات الصين، وبما أن سحب مزيد من قوّاتها من شبه الجزيرة العربية أمر محتمل ومن شأن ذلك جعل مجلس التعاون قابلاً للعطب من إيران، وقد ظهر ذلك في مضايقة البواخر التجارية والحربية في الخليج، فإن الاتفاق الديبلوماسي بين إيران والمجلس المذكور لا بدّ من أن يساعد في تخفيف التهديد ويوفّر طريقاً لتلافي التدهور ولمنع تحوّله صراعاً.
أما بالنسبة الى الإمارات، استناداً الى مركز الأبحاث الأميركي نفسه، فإن حواراً عميقاً وجدّياً مع إيران من شأنه تقليص التهديد باستهدافها في حال نشوب صراع إقليمي كبير. فإيران مع سلاح نووي أو مع صواريخ باليستية متقدمة ستكون أكبر مصدر لقلق أمني لأبو ظبي. وإذا وافقت إيران على تنازلات في برنامجها النووي في المحادثات الجارية في فيينا بينها وبين موقّعي الاتفاق النووي معها أي مجموعة الـ5+1 فإن ذلك سيساعد في تسريع التقارب الإماراتي – الإيراني. وتأسيس خط اتصال مباشر مع إيران لا بد أن يمكّن الإمارات من إثارة هذا الموضوع مباشرة معها بصرف النظر عن حصيلة المفاوضات المشار إليها أعلاه.
ولا شك في أن تحسّن العلاقة الثنائية سيساعد في خفض احتمال تحوّل الإمارات هدفاً للسلوك العدواني الإقليمي لطهران، ولا سيما بعدما طبّعت علاقاتها مع إسرائيل العام الماضي وهي ألدّ أعداء إيران.
في النهاية يشير مركز الأبحاث الأميركي نفسه الى أن علاقة عملية براغماتية يمكن أن تعمّق التعاون التجاري والاقتصادي بين الإمارات وإيران. فالدولتان تتشاركان تاريخاً عتيقاً جداً من تبادل البضائع من خلال الخليج الفارسي. وهذا لا يزال مستمراً سواء بشكله القانوني أو بشكله غير القانوني، ففي الإمارات شركات إيرانية كبيرة ومهمة ولا سيما في دبي. لكن العقوبات الساحقة التي فُرضت على إيران أيام الرئيس الأميركي السابق ترامب حدّت بقسوة من التجارة الإماراتية – الإيرانية في السنوات القليلة الماضية، الأمر الذي أجبر الإمارات على طرد بعض الشركات المذكورة من أراضيها. وعلاقة قوية بين طهران وأبو ظبي لا بد من أن تعيد تلك الشركات الى الإمارات. وزيادة كهذه في التعاون الاقتصادي يمكن أن تدفع أبو ظبي الى زيادة ضغطها على الولايات المتحدة لكي ترفع بعض عقوباتها عن طهران. فالإمارات محور أساسي إقليمي للتجارة البحرية، ويبلغ حجم تجارتها السنوية معها أي إيران 15 مليار دولار أميركي تقريباً. لكن السؤال الذي يطرحه العرب والعالم اليوم هو: هل تستطيع الإمارات ودول مجلس التعاون العمل تجارياً مع إيران في حال فشل ذريع ونهائي لمفاوضات فيينا؟