حسين زلغوط .
خاص رأي سياسي …
على عكس فرنسا فإن المملكة العربية السعودية غير مستعجلة لانتخاب رئيس جمهورية في لبنان، وهي تنتظر تبلور المشهد الاقليمي وفي الداخل اللبناني لكي تبني على الشيء مقتضاه.
من المؤكد ان المملكة لن تقدم على اي خطوة تجاه لبنان قبل ضمان تسوية الملفات الخلافي مع ايران. هذه التسوية التي انطلقت حياكتها بشكل فعلي في الاجتماع الذي عقد في بكين بين وزيري خارجية البلدين.واذا كانت كل المعطيات تفيد بأن هذه التسوية في طريقها الى النضوج بالكامل في غضون اسابيع قليلة ، وان الاجراءات التنفيذية لترجمة التقارب السعودي – الايراني ستبدأ بالسريان في وقت قريب، فان ذلك لن يمنع المملكة التي ما تزال تعتبر نفسها انها خدعت نتيجة التسوية الرئاسية التي ابرمت بين الرئيس السابق ميشال عون والرئيس سعد الحريري من التريث في تحديد الموقف النهائي قبل ضمان ان ما حصل في تلك الحقبة لن يتكرر مع الرئيس المقبل للجمهورية ، كون ان اي تسوية للأزمة في لبنان يجب ان تكون من ضمن سلة متكاملة تبدأ بانتخاب رئيس وتأليف حكومة والقيام بالاصلاحات ، وتلقيها ردوداً مقنعة على أسئلة تراها المملكة مشروعة تتعلق بسيادتها والحفاظ على امن مجتمعها واستقراره.
قبل اسابيع كان يقال ان المملكة العربية السعودية ترفض بالمطلق اي بحث يتعلق بترشيح فرنجية للرئاسة بحجة ان هذا الرجل قريب من طهران ودمشق ويعمل لصالح “حزب الله”، الا ان هذه المناخات تبددت الان فالمملكة عادت اليوم لتنسج علاقات طبيعية مع ايران التي من المتوقع ان يزور رئيسها السعودية قبل نهاي شهر رمضان المبارك، كما انها فتحت نوافذها تجاه دمشق التي سيزورها في وقت قريب وزير خارجية السعودية حاملا معه دعوة الى الرئيس بشار الاسد لحضور القمة العربية التي ستعقد على ارض المملكة في ايار المقبل.
كل ذلك يقود الى القول بأن الاسباب الرئيسية التي كانت السعودية ترفض اسم فرنجية لأجله قد انتفت الان ، كما انه من المعلوم ان علاقة سليمان فرنجية الجد مع المسؤولين السعوديين كانت طيبة ومتينة ، وقد انسحب ذلك على رئيس “تيار المردة” الذي حافظ على هذه العلاقة ، وهذا يقود الى الاعتقاد بان السعودية لم تحسم خيارها بالرفض المطلق، وان الموقف الذي تتخذه او ينقل عنها بشأن ترشيح فرنجية للرئاسة قابل للاخذ والرد، وقد تؤدي التفاهمات التي تعم المنطقة الى تعبيد الطريق امام فرنجية الى قصر بعبدا .
والسؤال الذي يطرح نفسه أنه في حال قبلت السعودية بفرنجية رئيساً ماذا سيكون عليه المعارضين لهذا الوصول وفي مقد هؤلاء “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر”؟
لا شك ان علاقة السعودية هي علاقة مميزة وقد انعكس ذلك في اكثر من محطة، وهذا الامر يشي بأن موقف “القوات” سيكون منسجما الى حد ما مع السعودية لكن على قاعدة حفظ ماء الوجه من خلال تأمين نصاب الثلثين داخل القاعة العامة للبرلمان من جهة وعدم التصويت لصالح فرنجية من جهة ثانية وذلك من باب عدم الظهور امام الجمهور بان معراب تراجعت عن ثوابتها كرمى لعيون المملكة.
اما موقف”التيار” فانه يخضع للتسويات الداخلية على الطريقة اللبنانية وبالتالي فان النائب جبران باسيل قد يترك لأعضاء التكتل الخيار في عملية الاقتراع ويكون بذلك قد حفظ باسيل ماء وجهه ايضا امام جمهور”التيار” في مقابل الحصول على حصص في الحكومة العيدة وفي التعينات المقبلة للفئة الاولى في الادارات العامة.
ان ما تقدم يعني ان الابواب غير مؤصدة في وجه فرنجية الذي سيكون له مواقف وحراك في اتجاهات مختلفة مع قابل الايام ، مع الحلفاء للتشاور، ومع الخصوم لإعطائهم تطمينات وتبديد هواجسهم ، فما هو حرام في الامس قد يصبح حلالا اليوم، لانه في السياسة لا شيء ثابت فعدو اليوم قد يصبح حليف الغد والعكس صحيح ، ومصالح الدول تقوم على قاعدة ان الضرورات تبيح المحظورات . من هنا قد نستفيق على مشهد محلي واقليمي منقلبة فيه الامور رأساً على عقب.