تعيين نائب لعباس.. إصلاح لـ”السُلطة” أم مجرد انحناء لضغوط؟

كتب كيرستن كنيب في صحيفة DW.
من المتوقع أن تشهد منظمة التحرير الفلسطينية تغييرًا للأجيال. فبحسب وكالة الأنباء الفلسطينية الرسمية “وفا” عيّنت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ نائبًا لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وكذلك عيّنت هذه اللجنة حسين الشيخ، البالغ من العمر 64 عامًا، نائبًا لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية، التي يترأسها حاليًا محمود عباس، البالغ من العمر 89 عامًا.
وهذا المنصب جديد تم استحداثه فقط يوم الخميس الماضي، وذلك بعد موافقة المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية على قرار يقضي بذلك. ومن خلال هذا القرار أصبح من المحتمل بل ومن الممكن أن يصبح حسين الشيخ في المستقبل خليفة عباس في رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية في حال وفاته، أما استقالته فليست واردة على الأقل حاليا، بيد أن هذا التعيين لا يضمن للشيخ الفوز بخلافة عباس: إذ يمكن أيضًا لمرشحين آخرين التقدم لتولي هذا المنصب. ومن أجل خلافته في منصب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، يجب على اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أن تنتخب رئيسًا جديدًا، كما يقول سيمون إنغلكيس، مدير مكتب مؤسسة كونراد أديناور الألمانية في رام الله.
وحسين الشيخ من المقرّبين جدًا من محمود عباس. وقد أمضى في شبابه أحد عشر عامًا في السجون الإسرائيلية بسبب نشاطاته في حركة فتح. وفي عام 2007 عيَّنه محمود عباس رئيسًا للهيئة العامة للشؤون المدنية في السلطة الفلسطينية. وهذه الهئية الأخيرة مسؤولة عن الاتصالات والتنسيق مع الحكومة الإسرائيلية. وفي هذه الوظيفة، يرتبط حسين الشيخ بعلاقات وثيقة مع المؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ومنذ عام 2022، يشغل الشيخ منصب أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.
“خطوة إصلاح مهمة”
وعلى الأرجح أن يكون تعيين الشيخ جاء نتيجة ضغط خارجي من دول عربية، وخاصة من المملكة العربية السعودية، بحسب ما ورد في تحليل لقناة الجزيرة الإخبارية القطرية، وأنَّ دولًا أوروبية قد ألحت على ذلك أيضًا. وذكر التحليل أنَّهم أرادوا بهذه الطريقة المساهمة في التغلب على الجمود الطويل الأمد داخل السلطة الفلسطينية وخلق آفاق مستقبلية للضفة الغربية. وأنَّ هذا يهدف أيضًا إلى تعزيز الشرعية الديمقراطية، نظرًا إلى عدم إجراء انتخابات رئاسية أو برلمانية في المناطق الفلسطينية منذ نحو عشرين عامًا.
وهكذا رحَّبت المملكة العربية السعودية بتعيين حسين الشيخ واعتبرته “خطوة إصلاح” مهمة، لا سيما وأنَّ العديد من المانحين الدوليين للسلطة الفلسطينية جعلوا استمرار دعمهم السلطة الفلسطينية مشروطًا بالإصلاحات السياسية والمؤسساتية.
شكوك داخل المجتمع الفلسطيني
بيد أنَّ المجتمع الفلسطيني نفسه ينطر منذ فترة طويلة بعين الريبة والشك إلى السلطة الفلسطينية، التي يحظى عملها بنسبة قبول ضعيفة للغاية، كما أنَّ نسبة كبيرة من الفلسطينيين لا يثقون بعملها. ولذلك فمن المشكوك فيه أن تخلق ترتيبات الخلافة الآن زخمًا يستحق الذكر في المجتمع الفلسطيني، كما يقول سيمون فولفغانغ فوكس، باحث الدراسات الإسلامية في الجامعة العبرية في القدس.
“نظرًا للعلاقة الوثيقة بين عباس والشيخ، يمكن افتراض أنَّ الشيخ يراهن على أجندة عباس نفسها”، كما يقول فوكس: “كلاهما يريدان التنسيق مع الإسرائيليين بقدر الإمكان ومواصلة التعاون الأمني. وهذا هو ما يهم السلطة الفلسطينية في المقام الأول. وهذا أهم بالنسبة لها من الضغط بغية تحسين الظروف المعيشية في الضفة الغربية، والتي أصبحت لا تطاق على نحو متزايد. السلطة الفلسطينية محاصرة في عقدة عدم تقدير جهودها بأي شكل من الأشكال سواء من قبل شعبها أو من قبل إسرائيل”.
موقف حماس
ويأتي تعيين الشيخ في وقت من المحتمل أن تحدث فيه تغييرات حاسمة في قطاع غزة أيضًا، بعد عام ونصف العام من الحرب. فقد صرّح قبل أيام مسؤول فلسطيني بأنَّ حماس يمكن أن تكون مستعدة لتسليم السلطة في قطاع غزة إلى كيان سياسي جديد. ويمكن نظريًا أن تكون السلطة الفلسطينية هذا الكيان.
بيد أنَّ حركة حماس الإسلاموية المسلحة، المصنفة كمنظمة إرهابية في ألمانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأخرى، قد ردَّت بفتور على تعيين حسين الشيخ، حيث قال القيادي الرفيع المستوى في حركة حماس باسم نعيم إنَّ الفلسطينيين يقررون بأنفسهم حول قيادتهم. وأضاف أنَّ “الشعب الفلسطيني ليس قطيعًا حتى يفرض عليه قادات تاريخها مشبوه، ربطت حاضرها ومستقبلها بالاحتلال”.
الموقف الإسرائيلي
كذلك تعارض إسرائيل إمكانية عودة السلطة الفلسطينية إلى حكم قطاع غزة. ويشير ضمن هذا السياق سيمون فولفغانغ فوكس إلى الأحداث المتعلقة بمخيم اللاجئين في جنين بالضفة الغربية. ففي نهاية العام الماضي، قامت السلطة الفلسطينية أولًا بمواجهة “كتيبة جنين” المسلحة. وثم تم التوصل إلى اتفاق يقضي بتسليم الكتيبة أسلحتها واستعادة السلطة الفلسطينية السيطرة على المخيم، الذي قصفته إسرائيل في منتصف كانون الثاني/يناير الماضي بطائرات مسيرة ودمَّرت منازل فيه، وقالت إنَّها تريد بهذه الطريقة محاربة الإرهابيين.
ويضيف فوكس “في الوقت نفسه، أعلنت الحكومة الإسرائيلية أنَّها لا تثق بإجراءات السلطة الفلسطينية ولا تأخذها أصلًا على محمل الجد. وبهذا فقد أوضحت أيضًا أنَّها ترفض في آخر المطاف فكرة احتمال أن تحكم السلطة الفلسطينية قطاع غزة. وبناءً على هذا فإنَّ هذه الفكرة باطلة أصلًا”.
إسرائيل والسلطة الفلسطينية: مفاوضات جديدة غير محتملة
وفي آخر المطاف، من المشكوك فيه أن يكون لتعيين حسين الشيخ أي تأثير يستحق الذكر على العلاقة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، كما يقول سيمون إنغلكيس.
وصحيح أنَّ حسين الشيخ معروف في دوائر الأمن الإسرائيلية، “ولكن محمود عباس ما يزال يحكم. ومن غير المحتمل أن يؤدي تعيين نائب لعباس في هذا التوقيت إلى إمكانية حدوث مفاوضات جديدة بين الطرفين”.