تعرف إلى طبيعة الزمن فيزيائياً
الأرض تبدو مسطحة، لكنها في الحقيقة كروية، الشمس تبدو وكأنها تدور في السماء، بينما في الحقيقة نحن الذين ندور حول أنفسنا، بالمثل فإن بنية الزمن ليست كما تبدو، إنها مختلفة عن ذلك التدفق الموحد، الكوني، ويمكن اكتشاف ذلك في كتب الفيزياء، فالزمن يعمل بشكل مختلف تماماً عما يبدو.
يقول كارلو روفيللي في كتابه «نظام الزمن» (ترجمه إلى العربية إيهاب عبد الحميد): «في هذه الكتب نفسها اكتشفت أيضاً أننا لا نزال جاهلين بطريقة عمل الزمن فعلياً، لعل طبيعة الزمن هي أعظم ما تبقى لنا من ألغاز، وثمة خيوط لافتة تربطه بغيره من الألغاز العظمى الأخرى، التي ظلت بلا حل، طبيعة العقل، أصل الكون، آلية عمل الحياة ذاتها، على سطح الأرض، ثمة شيء جوهري يظل يجذبنا إلى الوراء، إلى طبيعة الزمن».يوضح الكتاب أن الدهشة هي مصدر رغبتنا في المعرفة، واكتشاف أن الزمن ليس كما تصورناه يفتح الباب أمام آلاف الأسئلة، لقد ظلت طبيعة الزمن في صميم عمل المؤلف في الفيزياء النظرية، وهو في هذا الكتاب يستعرض ما فهمناه عن الزمن والمسارات التي نسلكها سعياً للتوصل إلى فهم أفضل لطبيعته، كما يستعرض ما لم نفهمه بعد.لكن لماذا نتذكر الماضي لا المستقبل؟ هل نوجد في الزمن أم يوجد الزمن فينا؟ ماذا يعني حقاً قولنا إن الزمن يمر؟ ما الذي يربط الزمن إلى طبيعتنا كأشخاص أو إلى نظرتنا الذاتية؟ ما الذي أصغي إليه عندما أصغي إلى مرور الزمن؟
هذا الكتاب ينقسم إلى ثلاثة أقسام، في الأول يلخص المؤلف ما فهمه الفيزيائيون المحدثون عن الزمن، الأمر يشبه الإمساك بندفة ثلج في يديك تدريجياً، وبينما تعكف على دراستها تجدها تذوب بين أصابعك وتتلاشى، تقليدياً، نحن نفكر في الزمن كشيء بسيط وأساسي، يتدفق على نحو متجانس، مستقلاً عن كل شيء آخر، من الماضي إلى المستقبل، تقيسه الساعات على الجدران وحول المعاصم.لقد أثبتت الملامح المميزة للزمن – كما يقول المؤلف – واحدة بعد أخرى، أنها مجرد أخطاء يفرضها علينا منظورنا، تماماً مثل تسطح الأرض أو دوران الشمس، وقد قادنا تنامي معارفنا إلى تفكيك بطيء لفكرتنا عن الزمن، ما نسميه زمناً هو مجموعة معقدة من البنى من الطبقات، وبمزيد من التدقيق بتعمق أكبر وأعظم فقد الزمن طبقاته واحدة تلو أخرى، قطعة بعد أخرى.
القسم الأول من الكتاب يقدم استعراضاً لتفتت الزمن، بينما يصف القسم الثاني ما ظل بين أيدينا: «أرض خلاء، تصفر فيها الريح، خاوية تقريباً من أي أثر للزمنية، عالم غريب، لكنه لا يزال عالمنا، الأمر يشبه وصولنا إلى قمة جبل عال، حيث لا شيء سوى الثلج والصخور والسماء، أو يشبه ما لا بد أن رآه أرمسترونج وألدرين عندما غامرا بالسير على رمال القمر الساكنة، عالم متجرد من جوهره متلألئ بجمال قاحل ومقلق، الفيزياء هي محاولة لفهم هذا المنظر الطبيعي المتطرف والجميل وإسباغ معنى متماسك عليه، على العالم بلا زمن.
يقول المؤلف إن القسم الثالث من الكتاب هو الأشد صعوبة، لكنه الأكثر أهمية والأكثر اتصالاً بنا، في عالم من غير زمن لا بد أن ثمة شيئاً لا يزال ينشئ الزمن الذي اعتدنا عليه، بنظامه بماضيه المختلف عن المستقبل، بتدفقه السلس بطريقة ما، لا بد لزمننا أن يتجلى حولنا، على الأقل من أجلنا ووفقاً لمقياسنا.
لنبدأ بحقيقة بسيطة: الزمن يمر أسرع في الجبال منه عند مستوى سطح البحر، هذا ما يقره المؤلف، الذي يرى أن الفارق ضئيل، لكن يمكن قياسه بالأجهزة بالغة الدقة، وبالتمرين يستطيع أي شخص أن يشهد على تباطؤ الزمن، وباستخدام الأجهزة الخاصة بالمختبرات، نرى أن الساعة الموضوعة على الأرض تجري أبطأ قليلاً من الساعة فوق الطاولة، ليست الساعات فقط هي التي تتباطأ، ففي الأسفل تصير كل السيرورات أبطأ، في الأسفل هناك زمن أقل مقارنة بالأعلى.يقول المؤلف: «أتوقف، ولا أفعل شيئاً، لا شيء يحدث، أفكر في لا شيء، أصغي لمرور الزمن، هذا هو الزمن، مألوف وحميم، يستولي علينا، تهافت الثواني، الساعات، السنوات، الذي يطرحنا إلى الحياة، ثم يجرنا نحو العدم، إننا نسكن الزمن، مثلما تعيش الأسماك في الماء، وجودنا وجود في الزمن، موسيقاه الجليلة ترعانا، تفتح العالم أمامنا، تخيفنا، وتهدهدنا، العالم يتكشف داخل المستقبل، يجره الزمن، وجوده خاضع لنظام الزمن».