رأي

تعددت المؤتمرات والمعاناة مستمرة.. هل أضحى مؤتمر دعم سوريا “لا حدث”؟

 كتب الصحافي اسماعيل عزام مقالاً في “دير شبيغل” الالمانية ،جاء فيه :

 تعدّدت المؤتمرات الداعمة لسوريا وتعددت أهدافها بين البحث عن الاستقرار وإنهاء معاناة الشعب السوري، وبين إيجاد حل سياسي تنوّعت مداخله، بين مطالب متعددة برحيل النظام السوري وبين من يرى ضرورة توافق بين المعارضة والنظام، وبين من يرى أن المكاسب التي حققها النظام سواء على الأرض أو في الجانب السياسي، تجعل من الصعب للغاية تجاهل حضوره في مستقبل سوريا.

في هذا الإطار، يحضّر الاتحاد الأوروبي لمؤتمر بروكسل السابع حول “‘دعم مستقبل سوريا والمنطقة” هذا الأسبوع. المؤتمر سينظم على مدار يومين، يوم 14 يونيو/حزيران، وأُطلق عليه “يوم الحوار” وسيكون مخصصاً لمنظمات المجتمع المدني داخل وخارج سوريا، كما يحضر له شركاء للاتحاد الأوروبي وسياسيون، بينما يخصّ اليوم الثاني لاجتماع وزاري.

وحسب الورقة التعريفية للاتحاد الأوروبي، فالهدف الرئيسي من مؤتمرات بروكسل هو “ضمان استمرار الدعم للشعب السوري، سواء في سوريا أو في المنطقة الأوسع، من خلال تعبئة المجتمع الدولي لدعم حل سياسي شامل وموثوق للنزاع السوري يتماشى مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254”.

نصّ هذا القرار، الصادر عام 2015، على دعم  جهود وقف إطلاق النار بين جميع الأطراف، وأن يبدأ التفاوض بينها للحل، والاستثناء الوحيد كان ضد المجموعات الإرهابية التي أكد القرار استمرار العمليات ضدها. القرار نصّ كذلك على تنظيم انتخابات في غضون 18 شهرا، وهو ما لم يتم لحد الآن، كما طالب بتهيئة الظروف لعودة اللاجئين والنازحين وتأهيل المناطق المتضررة.

ويرى عبد الباسط سيدا، الرئيس الأسبق للمجلس الوطني السوري، أن انعقاد المؤتمر بحد ذاته أمر هام ويلقي الضوء مجدداً على المأساة السورية، مشيرا إلى أن هناك من يحاول أن يبيّن أن الأمور قد سويّت بمجرد انضمام نظام الأسد إلى الجامعة العربية، واستغلال أطراف عربية للزلزال لأجل الانفتاح على النظام بحجة تقديم المساعدات.

بيد أنّ المؤتمر لوحده لا يكفي حسب سيدا، وأن الاقتصار على الدعم الإنساني لا يحل المشكل الذي يوجد في النظام السوري حسب تأكيده.

ورغم أن الأعمال القتالية تراجعت في سوريا خلال الأشهر الماضية، إلّا أن المأساة الإنسانية لا تزال مستمرة، خصوصا مع استمرار تداعيات الزلزال المدمر الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا شهر فبراير/شباط الماضي. لذلك سيكون المؤتمر “الحدث الرئيسي للإعلان عن تبرعات هذه السنة لسوريا وكل الدول المجاورة لها”، وخصوصا الأردن ولبنان وتركيا، وهي أكثر دول الجوار استقبالاً للاجئين السوريين.

أموال غير كافية أم أنها لا تصل؟

سبق أن اجتمع المانحون في مارس/آذار الماضي لدعم المتضررين من آثار الزلزال ، وجرى الاتفاق على تخصيص مبلغ 950 مليون يورو لدعم سوريا. كما خلص إلى تعهد الدول المانحة بتقديم 6.4 مليار يورو موجهة للسوريين ودول الجوار المستضيفة لهم. ويبقى الدعم المعلن عنه مشابها بشكل كبير لما تم الإعلان عنه خلال الدورات السابقة من المؤتمر.

لكن مع ذلك كانت نتائج ” العام الماضي مخيبة للآمال” لعدد من المنظمات والفاعلين السياسيين”، ومن ذلك منظمة “أنقذوا الطفولة”‘ التي صرحت في بيان أن المبلغ المعلن عنه “غير ملائم على الإطلاق وأقل بكثير مما هو مطلوب، بحكم أن 99 في المئة من الأسر السورية في لبنان لا تملك قوت طعامها”.

لكن الإشكال أن حتى هذه المبالغ المتعهد بدفعها لم تصل بالكامل. تقارير متعددة تشير إلى أن نسباً مهمة من التمويل لم تصل إلى المنظمات الإغاثية وإلى دول الجوار، فيما قالت شبكة “منسقو استجابة سوريا” إن النسخة السابقة من المؤتمر لم تحقق أي تحسن ملحوظ في العمليات الإنسانية للسورين، إنما باتت أوضاعهم تشهد تراجعا”، متهمة المانحين بعدم “الالتزام بأيّ تمويل يعلن عنه داخل المؤتمر”.

ويقول عبد الباسط سيدا إن نسباً مهمة من هذه المساعدات لا تصل، بحكم أن هناك حلقات وسيطة متعددة، سواء من عدد من المنظمات التي تتسلمها بغرض التوزيع بينما تستفيد من الوضع القائم، أو من جانب النظام وعدد من المنظمات التي تدور في فلكه وتستغل المساعدات.

كما أن هذا الدعم يتحول أحياناً، حسب المتحدث، إلى “رشوة لعدد من الدول المستضيفة لللاجئين دون تحقيق المأمول منه، خصوصاً مع ارتفاع موجات العنصرية ضد السوريين في دول كتركيا ولبنان”.

وكان تحليل للبنك الدولي قد أشار إلى تحويل جزء من المساعدات التي تصل عددا من الدول (غير مرتبطة باللاجئين) إلى حسابات مصرفية خارجية، وقدر أن 7.5 بالمئة من المساعدات التي تقدم لأي دولة يتم اختلاسها، وذكر البنك أن الأردن -إحدى دول استقبال السوريين – توجد بين هذه الدول.

فيما بيّن تحقيق لرويترز عام 2021 أن البنوك اللبنانية ابتلعت ما لا يقل عن 250 مليون دولار من أموال المساعدات الإنسانية التي توجهها الأمم المتحدة للاجئين السوريين في البلاد، فيما يصل المبلغ الإجمالي لما ابتلعته البنوك اللبنانية من المساعدات الموجهة لهذا البلد إلى ما بين الثلث والنصف منذ بداية الأزمة الاقتصادية في البلاد عام 2019.

هل تتحقق المساءلة ؟

رغم التركيز على البعد الإنساني في المؤتمر، وضع المنظمون قضية المساءلة وعدم الإفلات من العقاب ضمن جلسات اليوم الأول. ومن الآليات المقترحة، هناك مبدأ الولاية القضائية، الذي مكّن من محاسبة عدد من المسؤولين ومرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان في الخارج، ومن ذلك ألمانيا التي شهدت عدة محاكمات لمتورطين بجرائم حرب في سوريا.

ويقول الاتحاد الأوروبي في ورقته، إنه يجب أن تكون “العدالة والمساءلة الشاملة أساس مستقبل سوريا”، وأنه “لن يكون هناك احتمال حقيقي لمستقبل سلمي للشعب السوري مع استمرار جرائم مثل الاختفاء القسري والتعذيب وغير ذلك”. 

ومؤخراً، رفعت دول غربية سقف محاولات إدانة النظام السوري، ووضعت هولندا وكندا شكوى ضد النظام في محكمة العدل الدولية بتهم التعذيب واستخدام السلاح الكيماوي بعد رفض حكومة بشار الأسد مقترحات من الدولتين الغربيتين تخصّ تحقيق العدالة للضحايا ووقف الأعمال العدائية.

في المقابل كان الأسد يجد دعماً من روسيا والصين اللتين عرقلتا محاولات مجلس الأمن إحالة الانتهاكات المنسوبة لنظامه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

ويوضح عبد الباسط سيدا أن الاتحاد الأوروبي لا يزال متمسكاً بالحل السياسي وتطبيق قرارات مجلس الأمن ورفض الحضور لأيّ مبادرة يكون فيها النظام السوري طرفاً، لكن هذا الاتحاد حسب المتحدث، انشغل مؤخراً بقضية الحرب الروسية على أوكرانيا، في حين أنه يبقى من أكثر المعنيين بالوضع في الشرق الأوسط وبسوريا تحديدا، لأسباب منها أزمة اللاجئين، ما يجب أن يدفع الاتحاد لتقديم مبادرات أكثر تأثيراً مما هو حالياً.

ان الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى