رأي

تطور طبيعة الصراع على فلسطين بين اليهود والعرب

جاء في مقال د. عبدالله الأشعل في صحيفة “رأي اليوم”:

بعد قرن من الزمان اتضح أن الطرف الصهيونى يعرف مايريد وأن الصهيونية فى معناها المبسط تقضى باحلال يهود العالم محل الفلسطينيين فى فلشسطين وأن كلمة إسرائيل ابتدعت خصيصا لكى تتمشى مع المرحلة المؤقته التى يقتضيها تنفيذ المشروع الصهيونى واتضح أيضا أن كل المظاهر والأحداث التى أخفت حقيقة المشروع الصهيونى كانت تدليسا على العرب والفلسطينيين وأهمها تقسيم فلسطين بين اليهود والعرب، وفكرة حل الدولتين وجرائم إسرائيل التى أكدت بعد ذلك أنها انتقام من الفلسطينيين الذين أحتلوا ارضها وشتتوا شعبها فى بقاع الأرض واستندت الحركة الصهيونية إلى مصدرين تم تزييفهما الأول هو التاريخ الذى زورته إسرائيل والمصدر الثانى هو التوراه التى حرفتها إسرائيل فيستحيل أن الله الواحد الأحد يخلق جميع خلقه ثم يميز بينهم فيقطع بعضهم أرضا ويحرم بعضهم الآخر من الأرض وقد كشف القرآن الكريم الزيف اليهودى الذين ينتسبون زورا وبهتانا إلى الشريعة اليهودية وقد ثبت أن يهود إسرائيل هم الصهاينة الذين ذمهم القرآن الكريم وأعطاهم فرصا عديدة ونعما وفيره ولكنهم لم يؤمنوا فحق عليهم الشتات والعذاب مما أوضحته بجلاء سورة الاسراء. أما الطرف العربى فقد خدع بمراحل وتطور أساليب المشروع الصهيونى الذى ثبت هدفه وغير وسائله.

وتطبيقا لذلك فإن المفكرين العرب أضاعوا وقتهم فى الستينات وفى الجدل حول طبيعة المشروع الصهيونى الواضحة والجلية ثم أنهم خدعوا فى محطات المشروع الصهيونى إلى أن تمكن الصهاينة من المنطقة وخبروا حقيقة الحكام العرب وتحالفوا معهم على أساس أن الحكام العرب يستمدون مشروعيتهم من إسرائيل ومن بطشهم بشعوبهم مقابل سكوت الغرب عن تسرفاتهم وفسادهم وتستره على نهبهم للاموال والحسابات السرية التى تزخر بها عواصم الغرب ولذلك حتى لو ضعفت واشنطن فإن إسرائيل تحتفظ بملفات سلوكهم  ولا يمكن مطلقا أن تتحرر الشعوب العربية وفلسطين من قهر الصهاينة إلا إذا تحرر حكامها من هذا الكابوس وأعتقد أننا نسير فى هذا الاتجاه ولذلك فالحاكم السعيد هو الذى يبادر إلى إصلاح ذات البين بينه وبين شعبه ويقود حمله رسمية لرفع الوعى لدى الناس بدلا من تغييب عقولهم مادام كل شئ مرصود وكل شئ له نهاية بفعل تطور التكنولوجيا الخيالى الذى لو علم حكام العرب من قبل لما أسرفوا فى سلوكهم وجشعهم.

وقد خدع العرب وخدعوا الفلسطينيين عندما أطلقوا كلمة الصراع العربى الإسرائيلى الذى أنكشفت تجلياته وكذبه وارتد مرة أخرى إلى مجرد النزاع الفلسطينى الإسرائيلى وراح المفكرون العرب القوميون فى الستينات من القرن الماضى يختلفون حول طبيعة الصراع العربى الإسرائيلى الموهوم فمن قائل أنه صراع عسكرى ومن قائل أنه صراع حضارى ومن قائل أنه صراع استعمارى دون أن يلمس أحد الحقيقة وهى أنه صراع فلسطينى صهيونى على الوجود إما الصهاينه وإما أصحاب الأرض وقد استيقظ الفلسطينييون على الخديعة العربية الكبرى وهى أن الزعماء القوميين كانوا يرددون شعارات لا تصمد أمام قوة إسرائيل وكانوا يخشون من تسليح جيوشهم حتى لا ينقلبوا عليهم بل إن بعض العرب حفاظا على كرسيه تآمر مع الصهاينه فى كل المراحل  ولذلك عندما هزم النظام فى مصر وعقلية النظام وانحرافه عام 1967 قال نزار قبانى أن العرب تعرضوا لعدوان إسرائيل ولم يعتدوا عليها يوما وكانوا يحاربون العدوان بمنطق الربابة والشعارات التى ما قتلت ذبابة وكانت إسرائيل واثقة إنها سوف تستأنس الحكام العرب وقالت جولدا مائير عام 1966 قولتها المشهورة سوف يستقبل أبناؤنا الحكام العرب الجيش الإسرائيلى الغازى بالورود ولكن تبين بعد ذلك أن جولدا مائير كانت تبالغ فى تصوير العرب لأن المقاومة ضد إسرائيل أحبطت إسرائيل ولم تكن فى الحسبان فالتفت إسرائيل فى المرحلة الراهنة لكى تستخدم العرب مرة أخرى فى الانقضاض على المقاومة ودفعت العرب إلى أن وصموا المقاومة بالارهاب فكانوا ملكيين أكثر من الملك نفسه بل إن الإعلام العربى لم يفهم ما يحدث فى إسرائيل فبشر زيفا بأن إسرائيل تقترب من نهايتها ولعب الإعلام الإسرائيلى بآمال هؤلاء الواهمين والحقيقة أن إسرائيل تطبق نظزية نتانياهو المتعددة الاتجاهات.

الاتجاه الأول هو أن إسرائيل لابد أن تسحق الجيوش العربية حتى تفقد الأمل فى الانتصار عليها ولذلك فإن شارون كتب فى مذكراته بعد المواجهة مع الجيش المصرى فى عام 1973 أن الجيش المصرى أصلا قوى ولكن يضعف بالقيادة السياسية فى بلده وقارن بين الجندى المصرى عام 1967 وعام 1973 ولذلك خلص شارون إلى ان القيادة السياسية هى مفتاح خطورة الجيش أو ضعفه وهو ركز على ذلك فى سياسة إسرائيل المستقبلية اتجاه مصر والعالم العربى وقد كتب الساسة الإسرائليون مصداقا لذلك ما كان السادات ينفذ فكرته فى التقارب مع إسرائيل لولا هزيمة يونيو فظهرت الظاهرة الساداتية المباركة إسرائيليا بعد رحيل الظاهرة الناصرية التى كانت تزعج إسرائيل بسبب ارتفاع صوتها وتهديداتها ولكن إسرائيل كانت تعلم علم اليقين أن تلك ظاهرة صوتية ووضعت حدا نهائيا لها عام 1967 وهذه الهزيمة هى التى رسمت لمصر طريقها الداخلى والخارجى حتى الآن والطريف أن استاذا لامعا في العلوم السياسية أقترح فى احدى الندوات نسيان الهزيمة  1967 ليغذي النغمة السائدة ولا يبقي في الذاكرة الا نصر اكتوبر ظنا منه انه بذلك يرضي الحاكم وبالفعل عينه وزيرا  علما بأنه كان لابد يعلم أن 1967 هى أكبر محطات انتصار الصهيونية فى المنطقة وتبين بعدها أن الشعارات والأغانى تسهم فى تغييب العقل العربى ولكنها تزعج إسرائيل.

 هذه النظريات الستة التى تداولها المفكرون العرب قبل أن تقطع جهيزه قول كل خطيب عام 1967 وقد أشرنا إلى بعض هذه النظريات الفارغة التى كانت وقودا للخلافات الفكرية بين المثقفين العاطلين وكانت إسرائيل تضع فى اعتبارها انها قامت عام 1948 وأن العقبة الوحيدة فى سبيل تقدم المشروع الصهيونى هو مصر ولذلك ركزت عليها ولا تكاد إسرائيل ترى غير مصر فى المنطقة وأن مصر هى البداية والنهاية ويكفى أن إسرائيل تفكر دائما فى اخراج مصر من التاريخ والجغرافيا وأنها تخطط لكى تلعب مصر دورا حيويا فى تمكين المشروع الصهيونى من غاياته حتى لو كان ذلك انتحارا لمصر فقد تبين بشكل قاطع أن الصراع يجب أن يكون صهيونيا مصريا وليس مجرد نزاع فلسطينى إسرائيلى وإذا أرادت مصر أن تبقى على الخريطة فلابد أن تعد سياسة رشيدة للمنطقة العربية ولإسرائيل وأن  ترى حقيقة مصالحها وأن تتعامل مع كل الأطراف على أساس هذه المصالح وإذا جاز لنا أن نصور الموقف بين مصر وإسرائيل فيمكن القول أنه من العبث التعامل مع مصر وإسرائيل كدول عادية وإلا اضطرب التقدير والنظر فإسرائيل زرعت فى المنطقة خصيصا لكى تقضى على مصر ومصر هى كما قال حافظ إبراهيم أنا إن قدر الاله مماتى لا ترى الشرق يرفع الرأس بعدى فمصر متجددة ولا يغر المراقب كبواتها وإنما سوف تنهض مصر وتحتضن المنطقة العربية وتعزل إسرائيل فتذبل وتسقط كأوراق الخريف وأوصى   بيتبنى هذه النصيحة ألا يحارب إسرائيل بشكل مباشر وإنما يجفف مصادر القوة لإسرائيل لأن الصراع معها ليس الحرب وإنما الحرب التى وضعت معاهدة السلام نهاية لها وليس نهاية للصراع فالحرب هى جزء من الصراع  ويجب أن تدرك  مصر أن الفلسطينيين هم الاقدر على الدفاع عن وجودهم ضد المؤامرات العربية والخذلان العربى .فالمقاومة الفلسطينية لن تزيل إسرائيل ولكنها تساعد مصر على تذويب إسرائيل فى المنطقة أو تفكيكها وعند هذه النقطة نعود إلى تصريحات الرئيس جمال عبدالناصر فى بداية الستينات عندما سئل عن موقف مصر من القضية الفلسطينية فأكد أن فلسطين كلها للفلسطيننين ولابد من تفكيك إسرائيل وأن يعود اليهود إلى البلاد التى هاجروا منها إلى فلسطين وبينما تخطط الولايات المتحدة وإسرائيل فيما يعرف بصفقة القرن لجلب يهود العالم إلى فلسطين وابادة الفلسطينيين والقضاء على المقاومة فإن مصر يجب أن تضع خطة تقضى بتنفيذ حلم جمال عبدالناصر الذى لم يستوعب آليات تنفيذ الحلم فخسر كل شئ ولايجب أن نخسر الرهان على الشعب المصرى وإنما نسعى إلى تثقيفه واعادة بناء الشخصية المصرية .

 إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى