تصريحات ماكرون اختبار مؤلم لمصداقية الغرب أمام روسيا
كتب حسن زنيند, في “DW” :
صحيفة “كورييري ديلا سيرا” الإيطالية (28 فبراير) كتبت منتقدة الرئيس الفرنسي وكتبت “ماكرون هو أول من يطرح إمكانية نشر قوات برية غربية (في أوكرانيا) إنه صقر جديد ضد (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين، وهو نفسه الذي اختار في يونيو/ حزيران 2022 لعب دور الحمامة بدعوته إلى “عدم إذلال روسيا”، مما أثار غضب حلفاء أوروبا الوسطى وخاصة أوكرانيا. لقد تطور الوضع منذ ذلك الحين. لكن ما لم يتغير هو شهية ماكرون الواضحة للاستفزازات الفكرية ومن ثم رؤية مدى تأثيرها. وهو التأثير الذي يبدو مرة أخرى مخالفًا لنواياه”.
برلين ـ رفض واضح لخرجة ماكرون
في ألمانيا، قوبل اقتراح ماكرون بمشاعر يغلب عليها الرفض. وبينما شدد بعض السياسيين على ضرورة استنفاد كافة الوسائل الدبلوماسية المتاحة لمنع التصعيد، أعرب آخرون عن مخاوفهم بشأن التدخل العسكري. وأكدت الحكومة الاتحادية دعمها للحل السلمي ودعت إلى زيادة الجهود الدبلوماسية. وبهذا الشأن أكد المستشار أولاف شولتس رفضه نشر قوات برية في أوكرانيا، مؤكدا أن ذلك هو خط أحمر ثابت. وقال في رسالة بالفيديو (28 فبراير) “بصراحة، بصفتي مستشارا ألمانيا، لن أرسل أي جندي من الجيش الألماني إلى أوكرانيا (..) يمكن لجنودنا التعويل على ذلك”. وتابع شولتس “لا نريد أن تصبح حرب روسيا ضد أوكرانيا حربا بين روسيا والناتو”.
وبهذا الصدد كتبت صحيفة “فرانكفورته ألغماينه تسايتونغ” الألمانية (27 فبراير) معلقة “من الواضح أن فرنسا، التي اعتبرت نفسها دائما القوة العسكرية الرائدة في الاتحاد الأوروبي، وجدت نفسها في موقف لا تحسد عليه بسبب حرب أوكرانيا: ادعاء قوضته سياسة استرضاء ماكرون في التعامل مع بوتين (في بداية الحرب)، ثم إن ذلك تزامن مع فراغ خزائن باريس المالية. ويمكن رؤية النتيجة بوضوح في الإحصائيات المتعلقة بشحنات الأسلحة إلى أوكرانيا: إن إستونيا الصغيرة، التي يشيد بها ماكرون كثيرا، تنفق عليها أموالا أكثر من تلك التي تنفقها فرنسا، القوة النووية، التي تشغل مقعدا دائما في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة”.
فرنسا وألمانيا وسؤال زعامة أوروبا؟
أظهرت الاختلافات في ردود الفعل أيضًا الجدل بشأن من يقود أوروبا ودور كل من فرنسا وألمانيا. ففي حين تسعى فرنسا إلى الاضطلاع بدور أكثر نشاطا في السياسة الخارجية، فإن ألمانيا غالبا ما تفضل التحفظ والفعالية بالتركيز بشكل أكبر على الحلول الدبلوماسية. صحيفة “هوسبودارسكي نوفيني” الليبرالية من جمهورية التشيك (28 فبراير) كتبت معلقة “لقد حاول ماكرون بطريقته الخاصة إطلاق مبادرة تهدف إلى إعطاء الانطباع بأن فرنسا تتولى دورًا قياديًا في أوروبا”. واستطردت الصحيفة أن ذلك يحدث في واحدة من أصعب اللحظات تاريخيا بالنسبة لأوروبا منذ عام 1945. لأنه من غير المؤكد ماذا سيحدث للضمانات الأمنية الأمريكية إذا فاز دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل. صحيفة “نيتكاريغا ريتا أفيزي” اللاتفية (29 فبراير) ذهبت في نفس الاتجاه وكتبت “إذا نسيت الولايات المتحدة أوكرانيا، وأوروبا المشاكل الأمنية في العالم، فإننا – فرنسا – سنأخذ مكانهما” – كان هذا هو المبدأ التوجيهي لهذا المنتدى، الذي حاول ماكرون من خلاله تولي زمام القيادة في الاتحاد الأوروبي.
وفي وقت يشوب فيه الغموض دور ألمانيا القيادي في أوروبا وخاصة من حيث اتخاذ القرارات عندما يتعلق الأمر بتوفير الأسلحة المناسبة في أوكرانيا، يبدو أن ماكرون انتهز الفرصة في محاولة لإبراز تطلعات باريس القيادية في أوروبا. صحيفة “رزيكزبوسبوليتا” البولندية (28 فبراير) علقت بشأن تحول الموقف الفرنسي وكتبت معلقة “إن التغيير الجذري في موقف باريس من الحرب الأوكرانية يرجع إلى عدة عوامل. نقطة البداية هي الوضع المتزايد الصعوبة في أوكرانيا بعد سقوط أفدييفكا وكذلك معاناة كييف من نقص كبير في الذخيرة، إضافة إلى تردد الكونغرس الأمريكي في الموافقة على الدعم العسكري لأوكرانيا منذ أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. ولكن أوروبا لا تمتلك حتى الآن القدرة الكافية لسد هذه الفجوة. ولذلك يخشى ماكرون أن تدرك روسيا أن هذه هي اللحظة المناسبة لتوجيه ضربة حاسمة لأوكرانيا”.
اتساع الهوة بين برلين وباريس
يخشى الأوروبيون إلى حد كبير من احتمال خفض واشنطن دعمها لأوكرانيا، خاصة إذا عاد الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض وما قد يترتب على ذلك من تغيير مسار السياسة الأمريكية حيال القارة الأوروبية. وفي ظل هذه المواقف المتباينة والمخاوف ووضع على الأرض يميل لصالح روسيا، لاسيما بعد السيطرة على مدينة أفدييفكا الاستراتيجية في شرق أوكرانيا مؤخرا، يحاول الأوروبيون تلبية مطالب كييف التي تشكو من نقص الذخائر.
صحيفة هاندلسبلات” الألمانية (27 فبراير) كتبت معلقة “هناك عبارات شائعة يتم ترديدها لدرجة الابتذال ولكنها مع ذلك صحيحة، ومن بينها تلك لتي تقول بأن لا شيء سيتقدم في أوروبا دون وجود علاقة صحية بين ألمانيا وفرنسا. والحقيقة أن عملية التكامل الأوروبي تعتمد إلى حد كبير على التعاون ولانسجام بين أكبر دولتين في الاتحاد الأوروبي (..) إن تلميح تحرك الرئيس الفرنسي بإرسال قوات إلى أوكرانيا تحول إلى صدع مفتوح. ويكشف هذا بدوره عن فراغ في قيادة أوروبا في مرحلة تعتبر الأكثر تحديًا على المستوى الجيوسياسي والجغرافي الاقتصادي منذ عقود”.
الردع النووي ـ بوتين اختبار لوحدة الغرب
بلغة حادة، حذرالرئيس الروسي فلاديمير بوتين القوى الغربية (29 فبراير) من مغبة التسبب في مواجهة حرب في حال بادرت إلى التدخل بقوات برية في أوكرانيا، مؤكدا أن بلاده تملك الأسلحة اللازمة لضرب أهداف في البلدان الغربية. ويذكر أن الغزو الروسي لأوكرانيا أدخل العلاقات بين الغرب وموسكو في أسوأ مواجهة من نوعها منذ أزمة الصواريخ لكوبية عام 1962. وقال بوتين بالحرف “يجب على (الدول الغربية) أن تدرك أنه لدينا أسلحة يمكنها ضرب أهداف على أراضيها. كل ما يحدث يهدد بنشوب حرب نووية وتدمير الحضارة. ألا يدركون ذلك؟!”. وأشاد بوتين بترسانة بلاده الذرية واعتبرها أكبر قوة نووية في العالم.
وبهذا الشأن كتبت صحيفة “هايلبرونه شتيمه” الألمانية (29 فبراير) محللة رد فعل الرئيس الروسي وكتبت “بتهديداته، يحاول بوتين مرة أخرى تقويض الوحدة في التحالف الدفاعي الغربي. ومن وجهة نظره فإن هذا يمكن أن يكون واعدا، كما يتبين من النزاع حول الدعم المناسب لأوكرانيا والذي يدور حاليا بين ألمانيا وفرنسا – أو بالأحرى بين أولاف شولتز وإيمانويل ماكرون. لا يزال أحدهما يتصرف بتردد شديد، والآخر بجرأة شديدة. وهذا لا يخيف الدكتاتور الحاكم في الكرملين. بوتين لا يفهم إلا لغة القوة. لكن هذا يتطلب الوحدة في الغرب وبسرعة”.
التهديد الروسي بين شرق أوروبا وغربها
تباينت ردود الفعل في أوروبا وفقا للتوجه السياسي للدول. ففي وقت أعربت فيه دول مثل بولندا ودول البلطيق، من الناحية المبدئية، عن قلقها بشأن الأمن في المنطقة وبالتالي دعمها لنشر محتمل لقوات مسلحة في أوكرانيا. ولكن في أوروبا الغربية، كان ضبط النفس والتأكيد على الحلول الدبلوماسية هو سيد الموقف. وأصبح الانقسام داخل الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالتدخل العسكري واضحا. كما لاقى اقتراح ماكرون معارضة واضحة في الولايات المتحدة. وشددت إدارة بايدن على أهمية الدبلوماسية والحلول المتعددة الأطراف. وأعرب بعض أعضاء الكونغرس عن قلقهم بشأن التصعيد العسكري المحتمل وشددوا على الحاجة إلى استجابة دولية منسقة. وسلط هذا الموقف الضوء على التباين في وجهات النظر بين عدد من الحلفاء الأوروبيين والولايات المتحدة.
ويثير الجدل الدائر حول تصريحات ماكرون تساؤلات حول الوحدة داخل حلف شمال الأطلسي. ومن الممكن أن تؤدي المواقف المختلفة للدول الأعضاء إلى توترات داخل التحالف. ويكمن التحدي في إيجاد نهج مشترك يضمن الأمن في المنطقة من دون المزيد من توتر العلاقات مع روسيا. صحيفة “مجري نيمزيت” المجرية المؤيدة للحكومة (29 فبراير) مالت لتأييد اقتراح ماكرون وكتبت “الأشخاص الأغبياء لديهم شغف خاص بالاستنتاجات التي يتوصلون إليها بعقولهم”، وفق مقولة مقتبسة من رواية ليو تولستوي “الحرب والسلام”، وهو الذي تعرف على خلفيات وقوف الفرنسيين ضد الروس قبل مائتي عام. وفي النهاية كان الفشل مخزيا. ولكن ماذا لو لم يأت ماكرون بهذه الفكرة الرائعة بعقله؟ من يستطيع أن يرغب في اختبار شيء ما باستخدام هذا الاستبيان؟ ربما سنكتشف ذلك يومًا ما”.