تشديد مراقبة الحدود قد يعرقل مزايا شنغن
كتبت بيرند ريغرت في DW.
تسعى بعض دول الاتحاد الأوروبي إلى تشديد الإجراءات الحدودية حتى بين حدود التكتل الأوروبي. إذ تسمح قواعد الاتحاد الأوروبي بمثل هذه التدابير المشددة لكن في حالات محددة.
قصد مئات الاف من عشاق الساحرة المستديرة ألمانيا لحضور مباريات “يورو2024” ما دفع السلطات إلى إجراء عمليات تفتيش بشكل عشوائي قرب المنافذ الحدودية لضمان الأمن سواء قبل أو أثناء المسابقة. وتشهد ألمانيا في الوقت الراهن جدلا حول جدوى تمديد هذه التدابير الحدودية المؤقتة حتى على الحدود المشتركة بين دول الاتحاد الأوروبي بعد نهاية البطولة.
تحظر قوانين الاتحاد الأوروبي بشكل عام عمليات فحص أوراق الهوية للمسافرين داخل منطقة شنغن؛ إذ لا يسمح إلا بضوابط مؤقتة وفي حالات محدودة. تشمل منطقة شنغن جميع دول الاتحاد الأوروبي باستثناء أيرلندا وقبرص وبريطانيا، لكنها تشمل دولا غير أعضاء في التكتل مثل سويسرا وليختنشتاين والنرويج وأيسلندا.
تعود تسمية الاتفاقية بهذا الاسم إلى قرية “شنغن” الصغيرة في لوكسمبورغ التي شهدت توقيع خمس دول أوروبية هي: ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا ولكسمبورغ، على اتفاقية تسمح بحرية التنقل بينها لحاملي تأشيرة أي دولة من البلدان الخمس وذلك عام 1985.
“تاج التكامل الأوروبي”
وتسمح السوق الأوروبية الموحدة بحرية حركة السلع والخدمات ورؤوس الأموال والأفراد بين بلدان التكتل، فيما تعد قضية حرية التنفل إحدى الثمار الأساسية لعملية التكامل الأوروبي. ومشيدا بالأمر، قال مارغريتيس شيناس، نائب رئيسة المفوضية الأوروبية والمسؤول عن تعزيز أسلوب الحياة الأوروبية، في وقت سابق من العام الجاري إن منطقة شنغن “ستظل واحدة من جواهر تاج التكامل الأوروبي”.
ويستفيد من قواعد حرية التنقل بين بلدان منطقة شنغن قرابة 420 مليون مواطن في الاتحاد الأوروبي وحوالي 500 مليون مسافر سنويا إلى التكتل من دول خارجه. وقبل قرار إلغاء ضوابط الحدود الداخلية بين دول الاتحاد الأوروبي في تسعينيات القرن الماضي، جرى الاتفاق على قواعد ضبط الحدود الخارجية بين الدول الأعضاء وفق لمعايير مشتركة.
بيد أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي تجد أن تدابير الحدود الخارجية للتكتل غير كافية في أزمة برزت على الساحة عام 2015 الذي تصادف مع التدفق الكبير للمهاجرين من الشرق الأوسط إلى الاتحاد الأوروبي عبر اليونان وإيطاليا.
وفي أكتوبر / تشرين الأول الماضي، قال وزير الداخلية في النمسا جيرهارد كامير إن منطقة شنغن تتعرض في الوقت الراهن لضغوط ضخمة “لم تتعرض لها من قبل”، مضيفا أنه بات من السهل على المسافرين الذين لا يحملون جوازات سفر أو تأشيرات سفر، الدخول إلى الاتحاد الأوروبي.
تشديد الحدود منذ عام 2015
مثل عام 2015 بداية قيام بعض دول الاتحاد الأوروبي خاصة الواقعة على طول طريق البلقان في إعادة فرض عمليات مراقبة على الحدود مثل تشديد الضوابط الحدودية بين النمسا وألمانيا فيما شددت فرنسا التدابير الحدودية بعد الهجمات الإرهابية بين عامي 2015 و 2016.
وقالت المفوضية الأوروبية في تقريرها السنوي عن “حالة شنغن” إن عمليات التفتيش داخل حدود دول الاتحاد الأوروبي لا تتسم “بالمنهجية”، مستشهدة في ذلك بإجراء عمليات تفتيش بصرية على بعض الطرق السريعة وخطوط القطارات مع تطبيق تدابير فحص الهوية أو التفتيش على بعض المسافرين.
وأشارت المفوضية إلى أن عمليات التفتيش لا تتسبب عادة في تعطيل حركة السفر أو تؤدي إلى اختناقات مرورية على المعابر الحدودية، لكن تتعارض مع الفكرة الأساسية التي قامت عليها اتفاقية شنغن، التي تتمثل في عدم تفتيش الشاحنات أو السيارات وحتى المسافرين إذا أمكن ذلك.
واقترحت المفوضية الأوروبية تسيير دوريات مشتركة من بلدان التكتل يكون منوط بها إقامة نقاط تفتيش خلف الحدود بشكل مفاجئ بهدف فحص الأوراق والتأشيرات وتصاريح الإقامة بدلا من إقامة نقاط مراقبة ثابتة على الطرق السريعة.
يشار إلى أن الاتحاد الأوروبي قد دشن آلية يمكن من خلالها فحص المسافرين داخل مساحة 30 كيلومترا على جانبي الحدود حتى في حالة عدم وجود شكوك حقيقية فيما ينص “قانون منطقة شنغن”، الذي تم تعديله والمصادقة عليه مؤخراً من كل الدول الأعضاء، على أن “إعادة فرض مراقبة الحدود على الحدود الداخلية يعد بمناسبة الملاذ الأخير”.
بعض الاستثناءات
ونظريا، لا يُسمح بفرض تدابير أمنية على الحدود بشكل منهجي إلا في حالة وجود أخطار معينة أو في حالة تنظيم أحداث رياضية كبيرة مثل البطولات الكروية أو عقد مؤتمرات سياسية رفيعة المستوى مثل قمم مجموعة السبع. ويفترض ألا تتجاوز فترة تطبيق هذه التدابير ستة أشهر فيما يجب تبرير تفعليها على أساس كل حالة على حدة، بحسب محكمة العدل الأوروبية.
لكن من الناحية العملية، نفذت العديد من دول الاتحاد الأوروبي فرض تدابير مشددة على حدودها مع باقي بلدان التكتل في السابق بموجب مبررات مثل ضبط الهجرة أو التهديدات بوقوع هجمات إرهابية أو المخاوف الأمنية في أعقاب الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا.
تزامن هذا مع تشديد بعض دول الاتحاد الأوروبي حدودها بعد هجوم حماس الإرهابي على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وتعرضت عمليات فرض تدابير حدودية مشددة، لانتقادات من قبل المفوضية الأوروبية التي تطلب فرض مثل هذه التدابير في حالات الضرورة القصوى فقط، لكن صلاحيات المفوضية في هذا الصدد محدودة.
ولا تلزم قواعد الاتحاد الأوروبي على دوله الحصول على إذن لإقامة ضوابط حدودية على الحدود الداخلية، لكن يتعين الإعلان عن هذه التدابير قبل أربعة أسابيع من فرضها فيما تجيز لائحة الطوارئ للدول الأعضاء إغلاق الحدود في غضون مهلة قصيرة “في حالة وجود تهديد خطير للأمن والسلامة”.
نظام “أس آي أس”
وفيما يتعلق بعمل الشرطة داخل دول شنغن، يتم الاستعانة بـ “نظام معلومات شنغن” الذي يُعرف اختصارا بـ “أس آي أس” الذي يعد بمثابة قاعدة بيانات حكومية تخضع لاختصاصات المفوضية الأوروبية وتحتوي على بيانات تتعلق بجميع أوامر الاعتقال في كافة الدول الأعضاء. وتسمح المنظومة بالوصول إلى معلومات بشأن أي شخص يتم تفتيشه في أي مكان داخل الاتحاد الأوروبي، وليس فقط على الحدود المشتركة.
وأشاد سياسيون من معسكر اليمين في ألمانيا بفعالية الضوابط الحدودية التي جرى تطبيقها خلال بطولة اليورو مع المطالبة بالاستمرار في سريانها.
وفي المقابل، قال مسؤولون من المفوضية الأوروبية، تحدثوا شريطة عدم الإفصاح عن هويتهم، إن نشر 22 ألف ضابط شرطة بشكل إضافي مع إجراء عمليات تفتيش طالت 800 ألف شخص، أدى إلى القبض على عدد كبير من المشتبه بهم.
بيد أن المسؤولين قالوا إنه لا يتعين فرض مثل هذه التدابير على الحدود، لكنهم أشاروا إلى إمكانية الخروج بنتائج مماثلة في حالة إجراء 800 ألف عملية فحص وتفتيش على الطرق السريعة أو في محطات السكك الحديدية.
وفي تقريرها، قالت المفوضية الأوروبية إنه يفضل محاربة جرائم المخدرات من المصدر، أي في موانئ الاتحاد الأوروبي الرئيسية مثل هامبورغ أو أنتفيرب أو أمستردام، وليس على الحدود البرية داخل منطقة شنغن. وقد لاقى هذا الطرح قبولا بين دول التكتل التي تقوم بتطوير خطط عمل لتحسين السيطرة على الموانئ.
وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي عدد الجرائم في ألمانيا انخفض منذ إبرام اتفاقية شنغن في عام 1995 الذي تصادف مع تسجيل 6.6 مليون جريمة، لكن المعدل بلغ 5.9 مليون العام الماضي.