رأي

تسوية الأزمة الأوكرانية

جاء في مقال للكاتب أسامة يماني في صحيفة “عكاظ” :

بيت الشعر لابن النحوي:

إشتدي أزمة تنفرجي

قد آذن ليلك بالبلج

ينطبق هذا البيت من الشعر على الحالة الجارية في أوكرانيا. فما يظهر بأنه وقود للحرب في الواقع قد يكون رسائل موجهة للأطراف أو لأحدهما بأهمية التسوية ودفعه للعمل عليها، فقيام بريطانيا مثلا بتزويد وتسليم أنظمة الصواريخ طويلة المدى «ستروم شادو» إلى أوكرانيا والتي تنقل الصراع إلى مستوى جديد من التدمير هدفه الضغط على روسيا كي لا تتشدد في موقفها التفاوضي. إنها رسالة لروسيا مفادها حان الوقت للتسوية السلمية. وكما أفادت صحيفة «فايننشيال تايمز» بأن مفوض السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعلن عن استعداد الاتحاد «للتعامل الجدي» مع الصين من أجل «البحث عن حل» حول أوكرانيا. الذي كان يرفض المبادرة الصينية. الذي صرح قبل ذلك، بأنه يمكن وقف النزاع في أوكرانيا على الفور إذا توقف الغرب عن تقديم الدعم العسكري إلى سلطات «كييف».

وأشار بودولياك مستشار مكتب الرئاسة الأوكرانية عقب تصريحات بوريل، في حسابه على «تويتر»: «مرة أخرى… وقف توريد الأسلحة لأوكرانيا بشكل مطلق لا يوقف النزاع على الفور». في حين صرح الكرملين في وقت سابق، أنه لا توجد شروط مسبقة لانتقال الوضع في أوكرانيا إلى مسار سلمي، والأولوية المطلقة بالنسبة لروسيا هي تحقيق أهداف العملية الخاصة، وأن روسيا تقدر تقديراً عالياً جهود جميع البلدان التي تحاول إيجاد حل للنزاع في أوكرانيا في اتجاه سلمي.

هذه التصريحات التي تبدو أنها متناقضة ومختلفة تظهر أن الاستعدادات تجري نحو تهيئة الأجواء لتسوية ودية، لأن التحضير للصلح والتسوية يحتاج جهداً وعملاً على كافة الأصعدة السياسية والميدانية والاقتصادية والاجتماعية. وما يصدر من تصريحات وما تقوم به الأطراف من تصرفات تصب في خانة التسوية لهذا الصراع الذي خلقه وخطط له الغرب وحان الآن لدفع ثمن هذه الأخطاء التي كلفت العالم ثمناً باهظا. لهذا إن إعلانات الغرب بزيادة المساعدات ورفع نوعيتها وقدراتها رسائل لروسيا بأنهم ماضون في دعم أوكرانيا، ومن ذلك ما أعلن عن أن أوكرانيا ستحصل على أكثر من 105 طائرات مسيّرة بموجب عقد بين وزارة الدفاع الأوكرانية وشركة Quantum- Systems GmbH الألمانية المصنعة للطائرات المسيّرة. دفعة ثانية من طائرات فيكتور المسيّرة للجيش الأوكراني، التي تمولها حكومة جمهورية ألمانيا الاتحادية، والتي سبق أن استلمت أوكرانيا 33 طائرة مسيّرة ألمانية من نفس الطراز، أثبتت كفاءتها العالية في ساحة المعركة. ويدخل في الحرب النفسية ما صرح به مسؤول السياسة الخارجية والأمن للاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل بأن خطة رئيس أوكرانيا فلاديمير زيلينسكي هي خطة السلام «الوحيدة»، أما المبادرة الصينية فلا يمكن أخذها على محمل الجد، والتي سرعان ما تراجع عن هذا التصريح.

يجري الآن تسوية الأزمة الأوكرانية على نار هادئة، فالفاتورة ارتفعت على المعسكر الغربي بشكل لا يستطيع تحمله لفترة مماثلة للفترة السابقة. وبالنسبة لأمريكا فالنتائج التي هدفت أمريكا لتحقيقها تكاد أهم عناصرها تكون قد تحقق بخلاف، هدف تدمير روسيا وإضعافها. لقد نجحت واشنطن في عمل شرخ في العلاقات بين روسيا وألمانيا على وجه الخصوص، ومنعت التقارب الروسي الألماني الذي كانت تخاف منه، وحرمت ألمانيا من الطاقة الرخيصة لتتجنب منافستها. كما نجحت في تحميل أوروبا مسؤولية تسليح جيوشها وفتح سوق بمليارات الدولارات لسنوات عديدة. كما نجحت في خلق مشاكل في القارة الأوروبية، وأحيت الخلافات العصبية والعنصرية والدينية وغير ذلك من نتائج يطول سردها. لقد أصبح استمرار الحرب على المدى المتوسط بالنسبة لواشنطن مكلفاً على صعيد الحرب ضد الدولار التي تسعى واشنطن إلى تخفيف حدتها، لذا واشنطن سنجدها أكثر لطفاً مع الصين وأكثر قبولاً للتسوية السلمية للحرب الأوكرانية على الطريقة الصينية.

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبر بالضرورة عن “رأي سياسي” وإنما تعبر عن رأي صاحبها حصرًا.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى