تسليع المعرفة… شيء ما يُشبه الطماطم!
كتب محمد ناصر العلوان في صحيفة الراي.
لقد سلع لنا نظام التعليم المعرفة، ووضعها لنا في أكياس بلاستيك مع شهادات في إطار بلاستيك… وشد الأستيك وأنت تقرأ هذا المقال!
من الغريب أن عدد المعلمين والعلماء والأطباء والمهندسين الأحياء في الوقت الحالي في الكويت يزيد على عدد العلماء والأطباء والمهندسين في كل الفترات التاريخية الماضية مجتمعة خلال تاريخ الدولة… فلماذا لا يقدم العلم شيئاً؟
ظل هذا السؤال يحيرني مدة طويلة، حتى خضت تجربة مُجاورة زوجتي – أطال الله عمرها وحفظها وبارك في علمها – في رسالة الماجستير، وخلال مجاورتي لها لعمل الرسالة اكتشفت أن الجامعات والأكاديميات لا تحل مشاكل عبر أبحاثها، ولا تجد بدائل عبر دراساتها، ولكنها تراكم فقط، وقد كانت أكثر كلمة سمعتها من المرشد الأكاديمي هي أن «العلم تراكمي» دون أن نعرف على ماذا نراكم تحديداً، ولماذا وما علاقة هذه المراكمة بالمشاكل الموجودة في وطننا وسياق عملنا… ثم تكتشف أن كل شيء تراكمي فالمعدل تراكمي، والثروة تراكمية والمشاكل تراكمية،
وأنك تراكم على مشكلة موجودة في اليابان أو أميركا أو تنزانيا، ثم «تكويت» المشاكل التي لا علاقة لها بالكويت، وأن رسالتك في الدكتوراه لا تؤهلك في معظم الأحيان لكي تُكوَّن معرفة تستفيد منها في عملك أو قريتك أو حيك السكني أو حتى بيتك.
مئات الآلاف من الدراسات العليا ورسائل الدكتوراه مركونة على أرفف الجامعات، يسير أصحابها بيننا دون أن نستفيد من المعرفة التي بحثوا فيها… وذلك لأنها معرفة لم تنبع من جذور الأرض والسياق الذي نعيش فيه، ولا تعكس عملاً وجهداً واجتهاداً وإبداعاً شخصياً وجمعياً في آن واحد… فقط دراسات عليا تعيد ما بحثه الآخرون في سياقات مختلفة والزيادة عليه مع مراعاة إلغاء الباحث وسياقه وما يريد أن يبحث عنه.
كانت هذه هي الصدمة بالنسبة لي أثناء مجاورة زوجتي في رسالتها للدراسات العليا، لذلك فقد اتفقنا أنا وهي أن الرسالة التي قمنا بها «لا تساوي شيئاً طالما أنها لم تغير شيئاً فينا أو في الأرض».
في كتابه «على طريق الحكمة» يحذّرنا منير فاشه، من هذا النوع من الدراسات الأكاديمية التي لا تسألك «عن ماذا تبحث في حياتك؟» وما هو المجهود والاجتهاد الذي ترغب في اختباره، ولكنها تسألك «ما هو البحث الذي ينبغي أن تقوم به»؟ فتصبح الرسائل العلمية مجرد مفاهيم وتنظير واستبيانات وإحصائيات لا علاقة لها بواقعك.
من الطبيعي إذاً أن تتحول «المعرفة» إلى سلعة يشتريها الدارس ليتفاخر بها مثلها مثل الساعة والسيارة والمنزل والتلفون وأشياء من هذا القبيل، ولأنه وباختصار فأي معرفة لا تصبح جزءاً من أسلوب حياة الشخص فهي أقرب لكونها سلعة… مثل الطماطم.
إنّ عملية التسليع هذه تؤدي إلى وجود «خبراء» فقدوا حواسّهم وأمانتهم الفكرية يزوّرون لنا ما يحدث من حولنا، لذلك أصبح الناس ومن خلال فطرتهم السليمة يتشككون في كلام الخبراء أو حتى أي جملة تبدأ بـ «تقول الدراسات والأبحاث». وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله… أبتر.