رأي

تسارع الترسيم وتشكيل الحكومة: الحزب يريد إدارة الفراغ

كتب ابراهيم ريحان في “اساس ميديا”:

لم يعُد مُهمّاً في العاصمة الأميركيّة مَن يوقّع اتفاق ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل. المُهمّ أن يُوقَّع بأسرع وقتٍ مُمكن.

مَن يستطلع أجواء عاصمة القرار خلال اليوميْن الماضييْن لا يسمَع الجواب الذي كان قبل عشرة أيّام: “لا توقيع لميشال عون على اتفاق الترسيم”. المُهمّ عند الأميركيّين أن يُستخرج غازُ المُتوسّط بأيّ ثمنٍ. أوروبا على أبواب الشّتاء، وفلاديمير بوتين قد يلجأ إلى سلاح الغاز الطّبيعيّ. وهذا لن تقبل أميركا بحصوله ولو اضطُرّت إلى التوقيع مع ألدّ خصومها: حزب الله ومن خلفه إيران.

تتقاطع الرّغبة الأميركيّة مع عوامل داخليّة لبنانيّة وإسرائيليّة. هذا المُثلّث من المصالح السّياسيّة قد يُثمر اتّفاقاً كاملاً لترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل قبل استحقاقَيْ الأوّل من تشرين الثّاني في لبنان وإسرائيل: انتهاء ولاية ميشال عون، وانتخابات الكنيست الإسرائيليّ.

حزبُ الله: الاستقرار الاقتصادي

البداية من لبنان: بعد 40 يوماً يُغادرُ ميشال عون قصر بعبدا، والفراغ في سدّة الرّئاسة الأولى هو عنوان المرحلة.

لا يريد حزبُ الله، الرّاعي السّياسيّ لرئيس الجمهوريّة، أن يبقى الأخيرُ في بعبدا بعدَ انتهاء ولايته. وفي الوقتِ نفسه، يبدو جليّاً أنّ الحزبَ باتَ يُهيّئ الأرضيّة لإدارة الفراغ المُقبل تحت عنوانيْن اثنيْن: الاستقرار الاقتصاديّ، والاستقرار السّياسيّ.

يريدُ الحزبُ تشكيل حكومة أصيلة تنتقل إليها صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في حال حصول المُتوقّع من فراغٍ في منصبِ الرّئيس

يريدُ الأمين العامّ لحزب الله السّيّد حسن نصرالله أن “يأكل العنب” ولا يرغب بـ”التفتيش على مشكل” وليس هناك من ناطور غير اسرائيل. هذا ما قاله في خطابه الأخير يوم السّبت الماضي بعدما أطلقَ سيلاً من التهديدات المُتعلّقة بملفّ ترسيم الحدود. وقال مُقابل هذا إنّ مراسلة غير علنيّة حصلت مع إسرائيل. وهذه المرّة الأولى التي يتحدّث عن مُراسلات ونوع من المفاوضات غير المُباشرة.

من يقرأ تمسّك نصرالله برفع ما يُسمّيه “الحظر الأميركيّ” عن شركات النّفط والغاز شرطاً لتوقيع الترسيم، يُدركُ أنّه يريدُ “استقراراً اقتصاديّاً” ومن خلفه “استقراراً أمنيّاً” على الحدود الجنوبيّة، نظراً إلى ما تُمثّله عمليّات التنقيب والاستخراج من ضمانة أمنيّة ترتبطُ بأمن الطّاقة لأوروبا والغرب.

يرتبطُ هذا “الاستقرار الاقتصاديّ” بكلمة السّرّ التي مرّرها حزبُ الله بالتعاون والتنسيق مع رئيس مجلس النّوّاب نبيه برّي إلى رئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي ودوائر قصر بعبدا عن ضرورة تشكيل حكومة بأسرع وقتٍ مُمكن.

يريدُ الحزبُ تشكيل حكومة أصيلة تنتقل إليها صلاحيّات رئيس الجمهوريّة في حال حصول المُتوقّع من فراغٍ في منصبِ الرّئيس. لا يسعى الحزبُ إلى بقاء حكومة تصريف الأعمال، نظراً إلى ما قد يحصل من “اشتباكاتٍ دستوريّة” لا يرغب بحصولها في الوقت الرّاهن.

يُمسِكُ نصرالله بملفّيْ الترسيم والحكومة الأصيلة، وهدفه واحد: إدارة الفراغ المُقبل.

هذا في لبنان.

ماذا عن إسرائيل؟

تتلازم انتخابات الكنيست الإسرائيليّ مع انتهاء ولاية عون في الأوّل من تشرين الثّاني. يتخوّف الأميركيّون صراحةً من احتمال فوز زعيم الليكود بنيامين نتانياهو في الانتخابات التشريعيّة، وعودته إلى رئاسة الحكومة الإسرائيليّة.

يقول مصدر أميركيّ في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ الوسيط الأميركيّ آموس هوكستين قال لرؤسائه في الوزارة إنّ عودة نتانياهو من دون اتفاق ترسيم موقّع مع لبنان قد يعني عودة المفاوضات إلى مربّعها الأوّل. فطوال فترة حُكم نتانياهو كان الوفد الإسرائيلي يتمسّك بالخطّ رقم 1 الذي يصل إلى قبالة صيدا، أو خطّ “هوف” الذي يقسم المنطقة المُتنازع عليها بين بيروت وتل أبيب.

يتخوّف هوكستين من أن يحمِلَ نتانياهو “كيديّة” تجاه إدارة بايدن، مُتسلّحاً بترجيح فوز الجمهوريين في الانتخابات النّصفيّة في أميركا. وهذا ما يجعل مواقف نتانياهو أكثر قوّة، في حال قرّرَ عدم المُضيّ في اتفاق الترسيم.

يكشف المصدر أنّ هوكستين الذي زارَ تل أبيب قبل مجيئه إلى بيروت قبل 10 أيّام لم يستطع أن يحصل على التزام من نتانياهو بتوقيع الاتفاق إذا تمّت العمليّة بعد انتخابات الكنيست وفوز ائتلاف الليكود. إذ كان جواب نتانياهو لهوكستين: “لا أستطيع أن أعطيك التزاماً بشيء لم أقرّره، أنا لستُ رئيسَ الحكومة، ولا أعلم ماذا يفعل لابيد وغانتس في هذا الشأن (أي رئيس الوزراء يائير لابيد ووزير الدّفاع بيني غانتس)”.

دَفعَت هذه المخاوف إدارة بايدن إلى عدم تأجيل توقيع الاتفاق، إذ كان هوكستين خلال الشّهر الماضي يسعى إلى الوصول إلى إعلان الاتفاق وتأجيل التوقيع إلى ما بعد شهر تشرين الثّاني.

هكذا يُلاقي هوكستين كلام نصرالله عن رغبته بالاستقرار وعدم “التفتيش على مشكل”، ويجدُ في كلامه فرصةً ملائمةً لتوقيع اتّفاق لترسيم الحدود، يكون اتفاقَ هدنة طويلة الأمد، وغير مباشر بين حزب الله وإسرائيل. وقد يكون عمادُه فصل قوّات اليونيفيل بينهما عبر “الخطّ الأزرق البحريّ” المعروف بـ”خطّ العوّامات”… وللهدنة تتمّة…

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى