رأي

ترمب والمحاكمات والترشح… تسريع “الانحدار الأميركي”.

كتب رفيق خوري في إندبندنت.

حين انتهت ولاية الرئيس الأميركي غروفر كليفلاند قالت زوجته فرانسيز لفريق العمل في البيت الأبيض: أريد أن أرى كل شيء كما هو عندما نعود بعد أربع سنوات. وهو عاد، ولكن بعد ثماني سنوات، وربح المعركة ضد هاريسون في عام 1892. الرئيس دونالد ترمب الذي فوجئ بربح الانتخابات الرئاسية ضد هيلاري كلينتون، لم يصدق أنه خسر الانتخابات بعد أربع سنوات، وبقي يتصرف على أساس أنه عائد إلى البيت الأبيض مثل كليفلاند. وليس في العالم معركة طويلة ومتعبة ومكلفة تنفق مليارات الدولارات، ويتم النظر إلى المرشحين فيها من زاوية القدرة على جمع التبرعات مثل المعركة في أميركا على ما يسميها جون ديكرسون “أصعب وظائف العالم”. فهي مسرح مفتوح لكل أصحاب الطموحات وأهل الألاعيب والحيل والأكاذيب والوعود، أولاً على صعيد المتبارين على ترشيح كل حزب، وثانياً على صعيد المرشحين المختارين لكل من الحزبين الديمقراطي والجمهوري. والمسافة الفاصلة عن خريف 2024 موعد الانتخابات الرئاسية مملوءة بالعجائب.
أقل ما يقوله ترمب لجمهوره في حركة “ماغا” هو “أن أميركا دولة في انحدار، ولكن سنعيد إليها عظمتها”. وهو على حق في الجزء الأول من كلامه، إذ أبسط دليل على انحدار أميركا هو وصول أمثال ترمب إلى البيت الأبيض، بعدما كان الرؤساء من نوعية واشنطن وجيفرسون ولينكولن وروزفلت المحفورة تماثيلهم في صخر روشمور، فضلاً عن كون المرشح الوحيد للحزب الديمقراطي، في البلد الذي يضم أهم الجامعات في العالم، هو العجوز الرئيس جو بايدن.


ترمب الملياردير أقنع الفقراء والعاطلين من العمل أنه لهم. ركب موجة تطرف يميني من المؤمنين بنظرية المؤامرة الذين احتلوا الكونغرس في أسوأ جريمة ضد الديمقراطية سماها ترمب “واحداً من أعظم التحركات في التاريخ لإعادة عظمة أميركا”. لم تناقشه قاعدته الصامدة داخل الحزب الجمهوري، ولا رأت أنه ارتكب جرائم وبقيت تدعمه بحسب استطلاع أخير للرأي أجرته “نيويورك تايمز” و”سيينا كوليدج”. ولم تذهب إلى سواه حين قال “أنا الوحيد القادر على إنقاذ الولايات المتحدة من الديمقراطيين ذوي النزعة الحربية ومن المتعصبين الأغبياء في الحزب الجمهوري الذي يديره وحوش ومحافظون جدد ومدافعون عن العولمة ومتعصبون لحدود مفتوحة”. لا، بل عندما ادعى أنه الوحيد القادر على إنهاء حرب أوكرانيا في يوم واحد عبر “التوقف عن تزويد كييف بالسلاح، والقول للرئيس بوتين: كفى، خذ ما حصلت عليه وأوقف الحرب”.
العام المقبل، وهو الحاسم في المعركة الرئاسية المكررة بين بايدن وترمب مملوء بمواعيد المحاكمات التي يخضع لها الرئيس السابق. 78 تهمة فيديرالية تقود الإدانة في بعضها إلى السجن. وتهمة خطرة هي “الدفع للغش” في ولاية جورجيا خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2020، والعقوبة هي السجن، لكن أنصاره يزدادون تمسكاً به كلما كثرت الدعاوى ضده، بحيث يرى ترمب أن الاتهامات هي أفضل وسيلة لتوسيع شعبيته. وإذا فاز ترمب بالرئاسة بعد كل هذه المحاكمات، فإن معنى ذلك هو أن أميركا مريضة تحتاج إلى علاج حقيقي. علاج لإنقاذ الرئاسة، وهي بحسب الانطباع السائد، “أقوى منصب في العالم”، من المهرجين ولاعبي الأكروبات. وعلاج لما يسميه فرنسيس فوكوياما “إنقاذ الديمقراطية من التكنولوجيا، بعدما سيطرت التكنولوجيا على الأخبار عبر (غوغل) و(فيسبوك) و(تويتر)”. وعلاج لصدقية أميركا في الخارج لأن “الاستقطاب الداخلي يضعفها”، بحسب راشيل ميريث.
والعالم يعاني من أميركا عندما تمارس سياسة القوة. ويعاني حين تؤمن مثل ترمب بأن “القوة الحقيقية هي الخوف”، بحسب مايكل سولومون. ولا أحد يستطيع تصور المشهد إذا أصيبت أميركا بالجنون.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى