رأي

ترمب وإنهاء الحروب

الرئيس الأميركي هو مهندس معماري وانعطافه المهني هو نحو الإعمار وليس التدمير

كتب وليد فارس, في اندبندنت عربية:

خلال فترة الرئيس السابق جو بايدن اتخذ الرئيس ترمب المعارض أمثلة الحروب الطويلة يضربها من مقره في فلوريدا ليحمس قاعدته الانتخابية، ويهزأ بإدارة بايدن التي لم تحسن إنهاء هذه الصراعات. ومن أهم الأمثلة التي أعطاها خلال حملاته حرب روسيا وأوكرانيا، وكان يعير على الرئيس بأنه غير قادر على إقناع الطرفين بإنهاء المواجهة.

من مرحلة الحملة الانتخابية خلال عام 2024 والمرشح دونالد ترمب يعلن أن سياسته في الإداره الثانية ستركز على مبدأ “إنهاء الحروب الطويله”، ولا سيما تلك التي عبرت العقود والقرون. الرئيس ترمب كان دائماً له شغف في وضع حد للمجابهات العسكرية الدموية حتى قبل أن يدخل المعترك السياسي الرئاسي. فمنذ شبابه كان قد تأثر بأمرين، الأول قراءات حول هول الحروب والدمار الذي يأتي معها والعذاب الشخصي للأفراد والعائلات كنتيجة لها. وربما بعضهم من الذين اتهموه بأنه يحب الحروب ويحب العسكر والجيوش لم يفهموا الفارق بين الحس الوطني وحب التاريخ من ناحية، وبين التأثرالشخصي بنتائج الحروب، وهو كان رأى أفلاماً وثائقية عن خسائر هذه المعارك منذ حرب فيتنام، وكان شاهد أفلاماً وثائقية عن القصف الرهيب خلال الحرب العالمية الثانية والخسائر الرهيبة بين المدنيين. ومن ناحية ثانية لا ننسى أن الرئيس ترمب مهندس معماري يشيد المباني الكبرى وناطحات السحاب، بالتالي فإن انعطافه المهني هو نحو الإعمار وليس التدمير. كما أن شخصيته الاجتماعية ليست مبنية على كره عقائدي للآخرين، بل على التواصل الاجتماعي والشخصي والعاطفي كما شاهدناه في حياته الشخصية والاجتماعية. وأخيراً، فإن مسيرته الشخصية السياسية كانت دائماً تحلم بدور مميز بإحلال السلام وتوافق الأطراف على دوره الإنساني. إلا أنه يعلم تماماً أن طبيعة البشر هي صدامية، وأن التاريخ مليء بالمعارك والحروب، ولعل هناك تناقضاً بين شغف التاريخ العسكري من ناحية، وحبه لإنتاج السلام بين الشعوب والدول، هذا على صعيد المسيرة الشخصية القديمة.

عندما أتى إلى الرئاسة الأولى كان يطمح لإقامة تحالف دولي لمجابهة من يريد الحروب، ولا سيما الحروب الطويلة بخاصة الحروب العقائدية.

فتحرك على محاور مختلفة وأهمها زيارته إلى الرياض حيث خاطب أكثر من 50 زعيماً عربياً ومسلماً، وطالبهم بالقضاء على الإرهاب وحضهم على إخراج الإرهاب والإرهابيين من أراضيهم، وكان ذلك بتأثير من مشاهدته هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 في مدينته نيويورك. وعلى رغم معارضة شديدة له كانت من أخصامه في المعارضة، أو من داخل بيروقراطية إدارته، وبالطبع من قبل الإعلام المعادي له، فقد تمكن الرئيس ترمب من أن يحقق القاعدة الأولى لمشروعه في مواجهة الحروب الطويلة، وذلك بالطبع في آخر عام من عهده الأول خلال صيف 2020، عندما فاجأ العالم بتوقيع “معاهدة أبراهيمية” ما بين إسرائيل ودولتين عربيتين هما الإمارات العربية المتحدة والبحرين. وكان ذلك نتيجة جهود فريق عمله على مدى أربع سنوات منذ أن أتى إلى السلطة عام 2017. وكان ترمب مسروراً جداً بهذا “الاتفاق” الذي ولده سياسياً، وهو عبارة عن نظرة متقدمة للتعاون بين الدول العربية وإسرائيل، وكان مؤمناً أو متأملاً بأنه سيوسع هذا الاتفاق مع دول أخرى، وبالفعل دخل السودان والمغرب في الاتفاق قبل أن يترك ترمب الحكم.

وخلال قيادته المعارضة، مما كان يسميه “البيت الأبيض الشتوي” في مارالاغو في فلوريدا، خطط الرئيس لسياسة استراتيجية متكاملة حول إنهاء الحروب عندما يعود للمكتب البيضاوي عام 2025. وكانت اللجان ومراكز الأبحاث التابعة له تعمل خلال أربع سنوات على وضع برامج “إجعل أميركا أعظم”، ومن بين أهم نقاط هذا البرنامج الانتخابي كانت عبارات “إنهاء الحروب الطويلة”، وتحولت في ما بعد إلى شعار مركزي وهو “إنهاء الحروب”. ولم يكُن الجميع يفهم ماذا كان يعني الرئيس وقتها. من هذا المبدأ الذي كان يبدو أكثر نظرياً وفلسفياً منه سياسياً ودبلوماسياً، أيدت القاعدة الشعبية الشعبوية الرئيس، وكانت اقتنعت بأن هناك “مافيا اقتصادية” تعمل على تفجير الحروب في العالم بمنافعها المالية، بالتالي أيدت القاعدة طرح الرئيس بضرورة إنهاء الحروب.

ولكن معظم الناس لم يكونوا على اطلاع على خطة الرئيس التي تكمن في إنهاء هذه الحروب عبر التفاوض وعبر المصالح التجارية والضغوط الاقتصادية.

وخلال فترة الرئيس السابق جو بايدن، اتخذ ترمب المعارض أمثلة الحروب الطويلة يضربها من مقره في فلوريدا ليحمس قاعدته الانتخابية، ويهزأ بإدارة بايدن التي لم تحسن إنهاء هذه الصراعات. ومن أهم الأمثلة التي أعطاها خلال حملاته حرب روسيا وأوكرانيا، وكان يعير على الرئيس بأنه غير قادر على إقناع الطرفين بإنهاء المواجهه. كذلك اتهم ترمب بايدن بأن حرب السابع من أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 سببها عدم ضبط الحروب وتفجر الحروب المتعددة بين النظام الإيراني وإسرائيل والميليشيات المترابطة مع طهران، بدءاً من “حزب الله” إلى “الحشد الشعبي” فالميليشيات في سوريا وحركة “حماس”، وصولاً إلى الحوثيين في اليمن، وقد اعتبرت ست حروب، وأضاف ترمب إليها قبل أن يصل إلى البيت الأبيض بعض المواجهات القائمة في أفريقيا. ومع دخوله البيت الأبيض سارع إلى تنفيذ مشروعه الكبير بإنهاء الحروب، لكن حسابات البيدر لم تنطبق جميعها على واقع الجيوسياسيات، لكنها باتت أقرب من أي يوم مضى.

بايدن وترمب وما بينهما هاريس
فعيّن الرئيس مبعوثين من قبله لمعالجة الحروب القائمة والمتراكمة، واستند إلى حلقة من الأصدقاء والمقربين، ومن بينهم من أتى من القطاع الخاص والأعمال، وشملت تعيينات مندوبيه معالجة الحروب من حرب أوكرانيا إلى حرب غزة والمواجهة في لبنان والحال في سوريا. وأطلق فريق مفاوضات مع إيران، وبالطبع تعيين مندوب الرئيس لمعالجة الحرب الأوكرانية، ومع الوقت عُيّن عدد من المبعوثين الخاصين تجاه عدد من الأزمات بما فيها منطقة البحيرات في أفريقيا.

وعندما استدعت ظروف المواجهة في جنوب آسيا بين باكستان والهند، أيضاً سارع الرئيس إلى التدخل لوضع حد للتصعيد. وكان ترمب ترك خلفه شبكة جديدة للأزمات الخارجية مرتبطة مباشرة به، لكنه أبقى بالطبع على مؤسسات وزارة الخارجية برئاسة الوزير ماركو روبيو مع تعديلات كبرى ضمن هذه الوزارة، من أهمها إلغاء وكالة المساعدات الخارجية والتخفيف من الموازنات العامة داخل الوزارة والحد من صرف موازنات مستقبلية، وحوّل المفاوضات من الجهاز الإداري في وزارة الخارجية إلى شبكة مندوبين، وعلى رأس هؤلاء، كان ولا يزال المبعوث الخاص للرئيس إلى معظم المفاوضات وبعضهم يعتقد بأنه وزير خارجية الظل، المبعوث ستيف ويتكوف.

ترمب كان يعمل على إنهاء الحرب الأوكرانية خلال بضعة أسابيع وكانت هناك أسباب جعلته يعتقد بأن الطرفين سيقفزان بسرعة إلى طاولة المفاوضات وأن الحل سيبدأ بعملية وقف إطلاق النار ووقف العمليات الحربية والتفاوض، لكنه سرعان ما اكتشف أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين له تصور محدد، ومن ورائه الكرملين له أيضاً شروط يرغب فيها من أجل القبول بإيقاف المجابهة، والتقارير الأخيرة التي ترد الرأي العام حول محاولات ترمب لحسم حرب أوكرانيا، وسنأتي على تفاصيلها في ما بعد في مقالة أخرى، كل ذلك يشير إلى أمرين، الأول هو أن هناك صعوبة في إقناع الطرفين الروسي والأوكراني بأن يتخليا عن حقوقهما في الأرض وفي الانتماء والالتحاق بتحالفات دولية وأوروبية. وسيجد ترمب أنه يحتاج إلى وقت ومجهود ليتقدم، ولكن في الوقت نفسه، باتت جميع الأطراف على قناعة بأن غير ترمب، في الأقل للأعوام الثلاثة المقبلة، لن يكون قادراً على أن يدخل معترك التفاوض بين روسيا وأوكرانيا، ومن ورائها الاتحاد الأوروبي. من هنا يجد الرئيس الأميركي نفسه في موقع الرقم الوحيد والأصعب ضمن عملية إنهاء المواجهة الأخطر منذ الحرب العالمية الثانية على الأراضي الأوروبية، بالتالي إذا نجح فالتاريخ سيشهد له بأنه بطل عالمي لمنع سقوط عشرات آلاف الضحايا في القارة الأوروبية.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى