ترسيم الحدود البحرية يخضع للبازار السياسي

خاب ظنّ بعض الدول والتكهّنات الخارجية والمحلّية اللبنانية: لن ينقل اتفاق ترسيم الحدود البحرية لبنان إلى حال من الاستقرار، بحسب “أساس” ميديا. فالديناميّة التي عوّلت عليها بعض العواصم نتيجة الاتفاق، من حراك دولي وإقليمي للتهدئة في لبنان، ما هي إلا سراب. ونسي المتفائلون بترجمة إنجاز الترسيم إلى عمل جدّيّ من أجل “السلام الاقتصادي” في المنطقة أنّ ذلك يتطلّب مستلزمات سياسية تشمل قيادة الوضع الداخلي اللبناني نحو الحلول ولو المؤقّتة.
ما كذّب التفاؤل، أقلّه في لبنان، هو توالي التعقيدات على المستويات كلّها منذ نهاية تشرين الأول: تكريس الفراغ الرئاسي، فشل الجلسات النيابية العشر من أجل انتخاب رئيس، تصاعد الخلاف الداخلي على إدارة الفراغ الرئاسي بحكومة الرئيس نجيب ميقاتي، ارتداء تناتش الصلاحيات ثوباً طائفياً، وأخيراً جريمة قتل الجندي الإيرلندي العامل في قوات الأمم المتحدة لحفظ السلام في الجنوب.
أمّا ما قاله الرئيس الأميركي جو بايدن من أنّ الاتفاق “تاريخي” و”يمهّد الطريق لمنطقة أكثر استقراراً وازدهاراً”، فعاكسته الأحداث في اتجاه أكثر مأساوية: ذروة جديدة من التدهور في الأحوال المعيشية والسياسية بدون أيّ ضابط.
بدا واضحاً أنّ المقصود بالاستقرار المزعوم على جانبَيْ الحدود هو ضمان ألّا يقوّض الخلاف على الحدود البحرية الهدوء في المنطقة الشمالية من إسرائيل، أي استخراج الغاز من حقل كاريش واستكمال بناء منظومة استثمار الغاز في شرق المتوسط. لكنّ قتل الجندي الإيرلندي في الجنوب اللبناني لا يشي بأنّ الاستقرار سيسود داخل الحدود اللبنانية. فأولويّة الاستقرار تقتصر على الجانب الإسرائيلي الذي تلقّى ضمانات من “حزب الله” أثناء التفاوض على الترسيم. وهذا ما كشفه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في حديثه المنشور أمس . وتكرّس ذلك بتراجع بنيامين نتانياهو عن فكرة إلغاء اتفاق الترسيم التي وعد بها في حملته الانتخابية. وأشارت التقارير الغربية إلى أنّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الجديدة انصاع لتقويم المستوى الأمني والعسكري في الدولة العبرية، المقرّب جدّاً من واشنطن أيّاً كانت الإدارة فيها، الذي نصح بوجوب الحفاظ على الاتفاق وعدم إلغائه.