رأي

ترتيب البيت السنّي: مسؤولية.. وتحديات

كتب صلاح سلام في “اللواء”:

لا أحد يستطيع أن يُكابر ولا يعترف بأن الوضع السنّي ليس بخير.

لا أحد بإمكانه أن يتجاهل إنعكاسات الحالة السنّية الراهنة على الخلل الحاصل في المعادلة الداخلية.

لا أحد بمقدوره أن يُقلّل من مضاعفات هذا الخلل على التوازنات الوطنية الدقيقة، التي تقوم عليها قواعد الصيغة اللبنانية، وتداعياتها على الإستقرار والسلم الأهلي في لبنان.

ولكن ثمة وقائع لا بد من أخذها بعين الإعتبار: الساحة السنّية ليست رزقاً سائباً. والطائفة الأكبر في لبنان ليست كياناً مسلوب الإرادة. وأهل السنّة والجماعة ليسوا قطيعاً من الغنم.

هذه الكلمات ترسم جانباً من مشهدية الحوارات التي تدور في المجالس والمنتديات في بيروت ومختلف المناطق الأخرى، حول ما آلت إليه الأمور في الشارع السنّي، وسبل إستعادة المبادرة، وإطلاق حركة إستنهاض ناشطة، بمواجهة حالة الإحباط والقلق السائدة في الأوساط السنّية، والملابسات المحيطة في أجواء الإستشارات النيابية الملزمة.

الدعوة التي أطلقها الصديق د. وجيه فانوس رئيس المركز الثقافي الإسلامي على صفحات «اللــواء» لتفعيل الدور السنّي عبر دار الفتوى، وبرعاية مباشرة من سماحة مفتي الجمهورية، أثارت موجة من التفاعل والنقاش الإيجابي من قبل نخبة من أهل الفكر والرأي، شجعوا مبادرة «وجيه» الفكر والإيمان، وناشدوا سماحة مفتي الجمهورية التجاوب مع الدعوة والسير على خطى المفتي الشهيد الشيخ حسن خالد.

الواقع أن إعادة ترتيب البيت السنّي تقتضي التعامل بواقعية مع عودة التعددية السياسية والمناطقية، التي كرستها نتائج الإنتخابات النيابية، بغض النظر عمَّن يؤيدها أو من يعارضها، حيث أظهرت خامات سياسية شابة، ومشاريع قيادات مناطقية، لا يتجاوز إنتشارها الشعبي الدائرة الإنتخابية التي نجحت فيها.

وبقدر ما جسّدت هذه النتائج خريطة التعددية السياسية الجديدة، بقدر ما شكلت مصدر حذر مشروع للمرجعيات وللفعاليات المخضرمة، بسبب حالة التشرذم والشلليّة المهيمنة على العلاقات الشخصية والسياسية، سواء على صعيد الكتل الصغيرة، أم على مستوى النواب أنفسهم، مما قد يؤدي إلى إضعاف الصوت السنّي في الندوة البرلمانية، وذوبان الكتل السنّية الصغيرة في تيارات الكتل الكبيرة.

هذه التعددية السياسية يُمكن أن تتحول إلى تجربة إيجابية ومفيدة في مختلف المناطق، إذا أخذ أطرافها بالحسبان عاملين أساسيين:

العامل الأول: العمل في الدائرة الصغرى، أي إنصراف كل كتلة مناطقية إلى الاهتمام بقضايا وملفات دائرتها الإنتخابية، الإنمائية والإجتماعية والتربوية والصحية، وملاحقة مشاريعها بمثابرة وجدّية، حسب برنامج أولويات يتم الإتفاق عليه بين أعضاء الكتلة، وصولاً إلى تحقيق الأهم ثم المهم، مستلهمين بذلك أسس ومبادئ اللامركزية الإدارية التي كرسها إتفاق ودستور الطائف.

وهذا يقتضي أن يعمل نواب عكار ، مثلاً على إنشاء مستشفى مركزي يلبي حاجات هذه المنطقة المحرومة، إلى جانب السعي لإستكمال المراسيم التنفيذية لمحافظة عكار. وأن يسعى نواب طرابلس والضنية والمنية إلى رفع الغبن اللاحق بمناطقهم، وإطلاق ورشة المشاريع الإنمائية: من إستكمال تنفيذ المنطقة الإقتصادية، إلى تشغيل مطار القليعات، إلى تفعيل المعرض الدولي في الفيحاء. وأن يركز نواب بيروت على إنتشال العاصمة من إهمال وتقصير وعجز البلدية و«المحافظة الممتازة»، وتخليص سيدة العواصم من النفايات وعتمة الشوارع على الأقل. وهكذا يكون العمل في مناطق صيدا والبقاع الغربي وقرى البقاع الشمالي وإقليم الخروب وشبعا.

العامل الثاني: الحضور في الدائرة الكبرى، بمعنى أن تكون المتابعة السياسية ناشطة، خاصة في مجلس النواب للقيام بمسؤولية المراقبة والمساءلة والمحاسبة وفق أحكام الدستور، وبهدف المساهمة الفعَّالة في العودة إلى أصول الممارسة الديموقراطية في النظام السياسي البرلماني الذي يتغنى به لبنان.

في هذه الدائرة تبرز أهمية التواصل والتنسيق بين الكتل المناطقية وشخصياتها النيابية، بهدف تدارس الملفات والقوانين المطروحة، وإتخاذ مواقف مشتركة، أو على الأقل متقاربة، في حال تعذر التوصل إلى موقف موحد.

لا شك أن إنشاء كتلة وازنة من النواب السنّة، من شأنه أن يحفظ التوازن السياسي مع الكتل النيابية الكبيرة في البرلمان، فضلاً عن إمكانية أن تتحول هذه الكتلة إلى نواة صلبة لجبهة معارضة نيابية ، تضم القوى السيادية والنواب التغييريين والمستقلين، وتستعيد دور الأكثرية النيابية الضائع من هذه الأطراف،بسبب تشرذمها وعدم وجود الحد الأدنى من التنسيق بينها.

إن قيام كتلة نيابية وازنة تضم نواب سُنّة من مختلف المناطق يتطلب جهوداً ومساعٍي كبيرة حثيثة من المرجعيات الروحية والسياسية، وفي مقدمتها مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، بصفة كونه المرجع الأعلى للطائفة السنّية.

أما التوصل إلى إنشاء الجبهة النيابية العريضة فيكاد يكون من المهمات الصعبة، وشبه المستحيلة، بسبب حالات التناقض والتباعد في مفهومية العمل السياسي، وبرنامج الأولويات بين المعارضة السيادية ونواب التغيير والمستقلين.

ولكن كل هذه الصعوبات لا تنال من أهمية إعادة ترتيب البيت السنّي، رغم ما قد يعترض هذه الخطوة من تحديات ومفارقات، لأنها أكثر من ضرورة وطنية لإصلاح الخلل الحالي في المعادلة الداخلية، وإستعادة الموقع السنّي في القرار الوطني، وإعادة اللُحمة بين أطراف المعارضة والتغيير.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى