تربية الأبناء في عصر التكنولوجيا.
كتبت د. تهاني المطيري في صحيفة الراي.
نُسرع الخُطى لبيوتنا بعد دوام مرهق، ومع زحمة السير ودرجات الحرارة العالية والطُرق المكدّسة بالسيارات تُداهمنا الكثير من الأفكار والخواطر، وما أن نصل المنزل حتى يُطالعنا المنظر المألوف… الكل مُمسك بهاتفه الذكي، يتابعون باهتمام جاد أو مصطنع الأخبار والمواقع الترفيهية، يرسلون تعليقات على مواقع التواصل، يتواصلون مع أصدقاء افتراضيين ما وراء البحار، الكل مشغول حتى الأطفال والمراهقين والأكبر سناً، فقد أصبح العصر تقنياً بامتياز وصار العالم «بيت إلكتروني» نتجوّل بحرية بغرفه، مع آخرين ربما يشاركوننا أفكارنا وتطلّعاتنا وإن كنا في الواقع نعيش ضمن مجتمعات وأقاليم مختلفة.
وغدا التفاعل الحي مع الأحداث وسرعة تبادل المعلومات من السمات الجوهرية التي تميز الحياة المعاصرة، ومع الانتشار الواسع لمواقع التواصل الاجتماعي تغيّرت مهام ووظائف الأسرة التقليدية إذ لم تعد الحاضنة الأساسية للتربية حيث أصبح الأبناء يقضون ساعات طويلة خلف شاشات مضيئة يتابعون صفحات المشاهير عبر العالم، ويكتسبون سلوكاً وقيماً مختلفة، يطّلعون على محتويات مواقع تدسّ السمّ في العسل وعلى المنصات الرقمية ومواقع الألعاب الإلكترونية يتابعون كل جديد، فتتشكل قيم ومفاهيم جديدة وينعكس ما يجري في الشاشات على الواقع، فهم الأكثر تأثراً بما تعرضه الهواتف الذكية من غث شبكة الإنترنت وسمينها، ولسنا مسؤولين عن الانترنت بالطبع ولا نستطيع التحكم في محتويات الشبكة العنكبوتية وما تعرضه طوال اليوم من محتويات تدخل في الجوانب الأخلاقية فتمس ثوابت مجتمعنا المحافظ، لكنا في المقابل مسؤولون تماماً عن تربية وتوجيه أبنائنا وتدريبهم على الطرق الأفضل للتعاطي مع هذه المنتجات العصرية.
ليست لديّ وصفة مُحددة أو تقنية جاهزة تعمل بكبسة زر للتعامل مع المخاطر التي يطرحها التقدم الهائل في وسائط الاتصال الحديثة على تربية الأبناء، ويقيني أن تحديات التقدم التكنولوجي على صعيد الأسرة والمجتمع لا يُمكن بأي حال عزلها أو التعامل معها بمعزل عن دور مؤسسات التربية الأخرى كالمدرسة مثلاً، ففي الوقت الراهن يتجه المزيد من الأطفال في سن الدراسة وما قبلها للاعتماد على الانترنت والأجهزة الذكية والحاسوب والأجهزة اللوحية لأغراض تعليمية و ترفيهية، وبالنتيجة لا يستطيع الآباء معرفة ما يجري في حياة أبنائهم لاسيما أن الأجهزة الرقمية بشاشاتها الساحرة تأخذهم بعيداً وتحول دون التواصل الفعّال مع العائلة أو المعلمين والأصدقاء.
التكنولوجيا الرقمية «سلاح ذو حدين» متى استطاع المستخدم أياً كان عمره تسخيرها في خدمته بطرق سليمة وفعّالة، وفي المقابل فإن تربية الأبناء ليست ترفاً وتسلية لشغل أوقات الفراغ أو محض زجر وترهيب وتلويح بالعصا في وجه الابن/ الابنة إنما هي مهمة شاقة تزداد صعوبة في عصر التقنية والفضاء المفتوح حيث أصبح الأبناء بمختلف الفئات العمرية مُحاطين بكل أشكال التكنولوجيا طوال ساعات اليوم.
لا يستقيم شأن التربية في عالمنا المعاصر إلا بالاستفادة الذكية من كل الوسائل التقنية مع اتخاذ كل الاحتياطات لتقليل مخاطرها على عقول الأبناء وسلوكهم، وعلينا كعائلة إدراك أن المنع من استخدام الهواتف الذكية ليس حلاً لأيّ مشكلة وإنما يجب وضع ضوابط منزلية لاستخدام منصات ألعاب الفيديو والأجهزة اللوحية وتقييد الوصول لبعض المواقع على الشبكة وإعطاء الأبناء الوقت والاهتمام الكافي الصحيح مع ضرورة الحوار المستمر والمتصل والمثمر في جو أسري صحي وكذلك تنمية وتشجيع المواهب بالاستخدام الإيجابي للتطبيقات المحفزة للذكاء.