رأي

ترامب يسيء استخدام السلطة إثر افتعاله أزمة لوس أنجليس

قرار نشر “الحرس الوطني” لتفريق الاحتجاجات على حملة القمع ضد المهاجرين غير الشرعيين في ولاية كاليفورنيا هو فاتحة سياسات التنمر الخاصة بالرئيس الأميركي

كتب شون أوغرايدي, في اندبندنت عربية:

افتعل ترمب أزمة في لوس أنجليس بنشر الحرس الوطني لقمع احتجاجات سلمية، مستغلاً العنف والانقسام العرقي والسياسي لتعزيز شعبيته، في سياسة تغذيها دوافعه الاستبدادية وحبه للتنمر، وتهدد النسيج المجتمعي الأميركي تحت ستار الأمن ومكافحة الهجرة غير النظامية.

لم تكن هناك أية ضرورة على الإطلاق لإرسال الرئيس الأميركي دونالد ترمب قوات “الحرس الوطني” إلى مدينة لوس أنجليس، وقد كان قراره خياراً متعمداً.

فجميع المعطيات تشير إلى أن المقاومة كانت محدودة الحجم وسلمية في مواجهتها لمسؤولي “إدارة الهجرة والجمارك” Immigration and Customs Enforcement (ICE)، وكانت ضمن نطاق سيطرة الشرطة المحلية وعناصر “إدارة الهجرة والجمارك” على التعامل معها.

الأمر نفسه ينسحب إلى حد كبير على الاحتجاجات السلمية التي نظمها سكان المنطقة، الذين اعترضوا على ما اعتبروه إجراءات وتكتيكات خارجة عن القانون، فضلاً عن كونها غير أخلاقية وغير إنسانية، من جانب عناصر “إدارة الهجرة والجمارك” الذين كانوا في بعض الأحيان يضعون أقنعة على وجوههم.

تجدر الإشارة هنا إلى أن توم هومان رئيس “إدارة الهجرة والجمارك” الأميركية، الذي لا يؤمن بمبدأ “الشرطة بالتراضي”، اختاره دونالد ترمب خصيصاً لتولي هذا المنصب، نظراً إلى موقفه المعارض لاحترام الحدود القانونية والأعراف الدستورية. وبالتالي، ليس من المفاجئ أن يتبع الذين يعملون تحت أمرته نهج هومان المتشدد، لا بل نهج الرئيس الأميركي نفسه.

قراءة جديدة لتاريخ اليمين الأميركي في ضوء ظاهرة ترمب
ورأى كثير من المتظاهرين ما يحصل حملة ترحيل تعسفية نفذت من دون التزام الإجراءات القانونية المعمول بها، مما يشكل انتهاكاً صارخاً للحق القديم في المثول أمام القضاء، إضافة إلى فرض سياسة من شأنها أن تؤدي إلى تفكيك المجتمعات.

وفي مقابلة أجريت حديثاً مع الرئيس الأميركي، أقرّ صراحة بأنه تجاهل عن عمد المتطلبات القانونية المتعلقة بالإجراءات الواجبة، معتبراً أن من المستحيل الالتزام بها في التعامل مع “ملايين” الحالات. مع ذلك، وكما يشير خبراء القانون، فإن ما قاله لا يشكل حجة قانونية أو مبرراً مقبولاً، لا بل يسلط الضوء على عدم جدوى هذا النهج.

إنها سياسة تغذيها بالكامل النزعات الاستبدادية المتطرفة للرئيس ودوافعه السياسية، فالانقسام والأزمات والعنف، ليست أموراً يخشاها ويسعى إلى تجنبها، لا بل يجد فيها مناخاً يزدهر من خلاله.

وفي هذا الصدد، كما هي الحال في كثير من الجوانب الأخرى، يعتبر دونالد ترمب شخصية غير تقليدية وخطرة للغاية في المنصب الذي يتولاه.

لم يزعم أحد من الذين يعرفون السيد ترمب أنه يمضي وقتاً طويلاً في التخطيط للأمور، فهو شخص يعتمد على غريزته. وكما يشير إليه حاكم ولاية كاليفورنيا غافين نيوسوم، فقد أمر الرئيس بإرسال ألفي جندي مسلح من “الحرس الوطني” إلى مقاطعة لوس أنجليس، ليس لتلبية حاجة ما، بل لافتعال أزمة لم تكن موجودة في الأساس.

لم ينجم عن ذلك سوى العصيان والاحتجاج، لكن السيد ترمب لا يتحمل أن يتحداه أحد، سواء كان عضواً “ديمقراطياً” في الكونغرس، أم منافساً له في مجال العقارات، أم موظفاً حكومياً مستقل التفكير، أم زعيماً لأية دولة أجنبية لا يهتم بها.

إنه أيضاً شخص انتقامي، ويتجلى ذلك في “تحقيقاته” المتعلقة بالرئيس الأميركي السابق جو بايدن. فهو يفضل إذلال خصومه على إجراء أي حوار معهم، ولهذا يخشى نظراؤه المدعوون إلى المكتب البيضاوي أن يلقوا المعاملة نفسها التي لقيها الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، ورئيس وزراء كندا مارك كارني، ورئيس جنوب أفريقيا سيريل رامافوزا.

ترمب لا يفكر أو يخطط، بل ببساطة يتبع غرائزه التي تقوده دائماً إلى ما يخدم مصالحه الخاصة، ولهذا السبب فإنه يصعد كل موقف ويزيد من حدة الأمور.

المفارقة أن كثيراً من قاعدته الانتخابية “صوتوا فعلاً لهذه السياسات”، وكثير منهم يستمتعون ويشعرون بالرضا لمشاهدتهم أعداءهم المفترضين – وهم مواطنون أميركيون في نهاية المطاف – يتعرضون للرصاص المطاط، ويختنقون بالغاز المسيل للدموع، ويعيشون تحت ترهيب يمارسه زعيم الولايات المتحدة المتنمر.

في الواقع، يمكننا توقع كيف يمكن أن تتكشف أحداث هذا السيناريو في الأيام المقبلة. فوسط الفوضى والارتباك، قد يقتل أحد المتظاهرين، مما قد ينذر بزرع بذور اضطرابات أعمق.

ومن المرجح أن يرفض ترمب إدانة هذا الفعل، وأن يكرر رده على ما حدث في شارلوتسفيل [عندما أقام عنصريون بيض ونازيون جدد تجمعاً أسفر عن أعمال عنف، ولم تصدر عنه إدانة فورية لهؤلاء]، وملقياً باللوم بدلاً من ذلك على اليسار المتطرف والمهاجرين غير الشرعيين.

كما حدث في لوس أنجليس من قبل، ستكون هذه المدينة هي التي ستدفع ثمن العاصفة. فستشتعل النيران فيها، وسيعمل ترمب على إرسال مزيد من القوات إليها، وعلى رغم أن الأمور ستهدأ في نهاية المطاف، إلا أنها ستخلف وراءها أضراراً جسيمة بالأرواح والممتلكات ونسيج المجتمع على حد سواء.

سيتكرر الصراع على أساس ولايات حمراء ضد أخرى زرقاء [الحمراء أي أنها ذات غالبية جمهورية، والزرقاء ذات غالبية ديمقراطية]، والعرق ضد العرق، ومؤيدو حركة “ماغا” ضد الجميع. سيصور “الديمقراطيون” وكأنهم في صف مثيري الشغب والناهبين، ويقفون في صفهم، بينما يعاد تشويه صورة المهاجرين القدامى من خلال وصفهم بأنهم مجرمون عنيفون، أما ترمب فسيكون راضياً تماماً.

أخبار مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى